لنا استبدادنا ولكم حريتكم

آراء 2024/05/26
...

  محمد الكرخي


إن المتابع لآراء أغلب المثقفين العرب بخصوص تظاهرات الطلبة في بعض الجامعات الأميركية، احتجاجاً على المجازر المرتكبة من قبل الإسرائيليين بحق الفلسطينيين في غزة، وبسبب دعم الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل في هذه المجازر، يكتشف أن أغلبهم بمختلف تياراتهم السياسية وانتماءاتهم الدينية والمناطقية، يتفقون في آرائهم المتعلقة بالموقف الرسمي للحكومة الأميركية من التظاهرات الطلابية الأميركية الداعمة للفلسطينيين على: «أن أميركا تدعي «الحرية»، وأنها باسم الحرية تخرب بلدان العالم وتنفذ أجندتها الخاصة وأنها لو كانت صادقة في الدفاع عن الحرية، لما قمعت الأساتذة والطلبة الأميركيين بهذا الشكل الفظيع.

ولهذا السبب، أصبح لزاماً على المثقف العربي ألا تنطلي عليه كذبة «الحرية» الأميركية، وبالتالي وجب عليه انتقاد أميركا والتحريض ضدها».

الواحد من هؤلاء يتحدث عن زيف «الحرية» الأميركية ويحاول التأكيد على مساهمته الفاعلة في كشف النقاب عن الخبث الإمبريالي للولايات المتحدة بقناع الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان، وهو في الواقع، لا يستطيع انتقاد مسؤول حكومي مدعوم حزبياً، أو هو لا يستطيع انتقاد أي رجل دين بالاسم، ولا يفكر أصلاً بانتقاد العسكر وأي عنصر أمي تابع لجماعات مسلحة.

بل إنه يتهيب الحديث بحرية للتعبير عن رأيه أمام أبسط أجير، لئلا يكون الأخير برأي مختلف وبالتالي تكون النتيجة: «موت وخراب ديار».

إن اشتراك نسبة كبيرة من المثقفين العرب، بمختلف مشاربهم الدينية ومرجعياتهم السياسية وانتماءاتهم الجغرافية، على عداء أميركا، لأنها ما وفت بوعد «الحرية»، التي جعلت من نفسها حامية- داعية له، يكشف لنا بوضوح جلي، كيف أن «التخلف» ضارب في أعماق أدمغة ونفوس المثقفين العرب.

إنه بدل أن يحاول المثقف العربي كشف الحرية الأميركية الزائفة، وجب عليه أن يعيش حرية أفضل في بلده ووسط مجتمعه، حتى يستطيع بملء الفم وراحة ضمير أن يعيب على أميركا حريتها! كما ويفترض على هؤلاء المثقفين -من الناحيتين الأخلاقية والمنطقية- أن يكونوا دعاة وحماة للحرية في بلدانهم ومجتمعاتهم العربية.

إن من ينتقد أميركا لأنها خانت مبدأ «الحرية»، عليه أن يضحي بروحه في سبيل الدفاع عن هذا المبدأ النبيل في بلده وبين ظهراني مجتمعه، أما من لا يستطيع انتقاد رئيس بلاده، وإن انتقده، فسيهان من قبل الجهات المسؤولة وربما يقتل. ومن حكومته تُغَيب الآلاف من أبناء شعبه وهو لا يستطيع مجرد استنكار فعل الحكومة التعسفي. 

ومن يحبس مواطنوه من قبل النظام السياسي احتياطاً لسنوات، ومن ليس في بلاده أي انتخابات، ومن كل مؤسسات بلاده بيد مستبد فاسد واحد أو بيد جماعات ضيقة غير وطنية في ممارستها السياسية، إن من لا يستطيع استنكار كل الظلم الذي يقع في بلاده من قبل الجهات المسؤولة، عليه أن يخجل من نفسه وهو ينتقد «الحرية» الأميركية.

كل الحب والاحترام للطلبة والأساتذة الأميركيين المحتجين على سياسة الحكومة الأميركية في ما يخص أحداث غزة- فلسطين.