عدنان الفضلي
تتطلع الأمم المتحضّرة دائماً إلى إعادة صياغة مستمرة لصناعة أجيال قادرة على مواصلة الصعود إلى أعلى مراتب التفوّق ومواكبة التطوّرات المتتالية التي يشهدها العالم. ومن أجل ذلك توكل مهمة الصياغة والصناعة إلى جهات هي الأكثر ارتباطاً بالتنشئة الصحيحة، ومن تلك الجهات المعنية مؤسسات التربية والتعليم والشباب، كون واجباتها وأنظمة عملها والسياقات، التي صيغت لتسيير أعمالها، مرتبطة تماماً بتنشئة الأجيال تنشئة صحيحة
بحيث تكون الأجيال التي هي في طور التنشئة، قادرة على إبراز مواهبها وإعلان تفوقها في المجالات التي تهواها وترغب أن تكون ضمن ملاكاتها
المستقبلية.
تقف وزارة الشباب والرياضة في منتصف المسافة بين وزارتي التربية والتعليم العالي، فالأخيرة تستلم الأجيال بعد أن تكون قد حظيت باهتمام خاص منذ نعومة الأظفار، بحيث يصل الشاب إلى الجامعة وبحصيلته زاد معرفي جيد يسمح له بالتفوق المعرفي والإبداعي.
أما وزارة الشباب والرياضة فواجبها الاعتناء بالمواهب التي تفرزها مؤسسات تربوية قادرة على رصد المواهب والطاقات الإبداعية منذ الصغر، ومن ثم تبدأ مرحلة التطوير.
ولو تحدنا اليوم عن هذا الواقع وأقصد واجب المؤسسات التربوية والمدارس في رصد المواهب في العراق، فسنكون قبالة واقع لا يمكن أن نتوقف عنده إيجاباً.
من وجهة نظر شخصية وقد يتفق معي كيرون فأن المدرسة تعدّ هي البيت الثاني المكلّف بتنشئة الأجيال وتقويمهم والزجّ بهم في الحياة، وفق رؤى تجعل منهم مؤثرين في المجتمع المستقبلي لهم، كما ينظر للمدرسة على أنها الحاضنة الأولى للصغار، الذين يمتلكون مواهب فطرية يمكن صقلها وتطويرها، وبما أن الشعر يعدّ من الأفعال الإبداعية التي تمزج بين الموهبة الفطرية والدراية المعرفية، لذا يصبح حرياً بالمدرسة أن تكون هي الحاضنة الأولى للموهوبين شعرياً، فالمطلوب ومن وجهة نظر الأغلبية أن أساتذة المدارس مكلفون دوماً بالبحث عن المواهب، لصقل موهبتهم، وفي مجال الشعر يكون معلم أو مدرس اللغة العربية معنياً بمهمة البحث هذه، والمساهمة الجادة والفعالة في صقل الطلبة والتلاميذ الذين يمتلكون ملكة شعرية، تجعل منهم في المستقبل شعراء كبارا يسهمون في صناعة المشهد الشعري.
التأريخ الحديث تحدث لنا عن تجارب عراقية، بهذا الصدد، وكيف كان للمدرسة الدور الكبير في تطوير موهبة كثير من شعراء العراق، ومنهم الشاعر بدر شاكر السياب، والشاعر سعدي يوسف والشاعر قيس لفتة مراد والشاعر عباس القزويني وغيرهم الكثير، حيث أقرّ هؤلاء الشعراء بالفضل الكبير لمعلميهم ومدرسيهم في صقل مواهبهم، ووضع خطاهم في الطريق الصحيح الذي أوصلهم إلى حيث صاروا بمصاف الشعراء الكبار والمؤثرين في
المجتمع.
اليوم نحتاج فعلاً لاستعادة دور المدرسة في إحتضان المواهب الشعرية، وأن تصبح المدارس هي الوعاء الأمثل لإحتضان الشعر والشعراء، حيث نطلب من المعلمين والمدرسين إكتشاف المواهب الشعرية وحثهم على تطوير تلك الموهبة، وأن يقوموا بتحفيزهم على القراءة والسماع، ودلّهم على الطرق التي يسلكونها ليكونوا شعراء كبار، وهذه الدعوة ليست لدعم وصقل المواهب الشعرية فقط، بل هي دعوة مفتوحة لإحتضان كافة المواهب، ومنها الشعر والرسم والموسيقى والغناء والتمثيل والخطابة وغيرها من المواهب الأخرى، حتى نخلق جيلاً واعياً ومثقفاً، يستطيع ان يكون فاعلاً ومؤثراً في تطوير المجتمع
العراقي.