لماذا الصحافة؟

آراء 2024/05/27
...

 د. علي مولود فاضل

يبدو سؤالًا عابرًا، ويبدو استفهامًا مقصودًا لمآرب أخرى، ويوجد بينه وبين المتن تأويل ثانٍ ربما يُقصد من خلال المضمون اللاحق.
وُلدت الصحافة كموهبة، ونَمَت وتطورت، وأُسِست لها قوالب، وصُنعت لها فنون، وأخذت تكوّن نفسها بين مواقع المتون بوصفها صنعة ثابتة.
ومن ثَمّ تنامت حتى غدت دراسة وتخصصًا ومهنة. يدخل عالمها من امتلك أدواتٍ حقيقيةً تكون سببًا في استمراره وانصقاله بين خطوطها وخطورتها. هذه المهنة المحفوفة بالمتاعب، والمتوجة بالممتعات صارت ساحة ينفذ إليها الكثير، ويستمر بها القليل، ويعتاش عليها من وعى التفكير وأسس لمكاسب الجاه أو التأثير.
أقف اليوم عندها واستفهم بقلب يشغفه حبها -لماذا أحب الصحافة؟- وأتذكر مع سؤالي عدة أشجان، وأتصفح ظروفًا مر بها زملائي في متقلباتهم الحرفية. وأعود لأتذكر موهوبين صادفتهم، وأصبحوا نجومًا يفاخر بهم أغلب من يلتقيهم. وأتذكر زملاءً درسوا معي وأصبحوا باحثين لهم شأن مهم في البحث الأكاديمي. وربما أتذكر فاشلين طرؤوا على المهنة وبلعتهم التجربة واختفوا!.
وحتمًا أتذكر شهداءً بقيَ اسمهم وموقفهم، وصارت تضحية رحيلهم علامة راسخة في صفحة المهنة والعطاء. أتذكر أيضًا، أو أتصوّر قارئًا سيمرُّ على هذه الحروف ويطمح أن يكون يومًا أنموذجًا للمهنة - حتما سيمر-.
وأتذكر فعلًا أنه كان يجدر بي أن أجيب على سؤالي حول عنوان هذا النص!، ولكن أخالني أجبت.
فلماذا الصحافة؟ تساؤل يحتاج مِنا أن نعي كيف ننتمي إليها بحق، وأن نغدو أفرادًا في عائلتها نتسم بروح الفريق، وأن يمتد جذر نسبنا إلى فنونها؛ حتى ينطبع على ملامحنا ورقها وسمرتها، ومن ثَمّ نقتطع جزءًا صغيرًا من أوراقها ونصنع منه مظروف تذكار نتحسسه كلما ضاق بِنا سقف العناء؛ لنمسح جبين ولائنا ونقول: نحن أبناء هذه المهنة، الباقون على عهد محبتها، مهما ازدادت أسماء الدخلاء أو تعاظمت المضايقات على الرخاء، ومهما تَرَكنا القراء سنبقى نَسِل محبرة الوفاء ونكتب لهم بمحبة وإخلاص وسلام.