بين حربين وجيلين

آراء 2024/05/29
...

 طالب سعدون


لم يبق لها غير صورة واحدة تمثل حقيقتها بلا رتوش، بعد أن توارت طويلا خلف شعارات زائفة انطلت زمنا على الكثيرممن يخافها وتحكمت بمصائر شعوب كثيرة دمرتها، تحت دعاوى فارغة تكيل لها الاتهام بالاستبداد والتخلف وكأنها هي وربيبتها فقط (معقل) الحريات و(المدافع) عن حقوق الانسان والديمقراطية و(راعي ) الليبرالية.. وكأن نصب الحرية على ارضها كاف لوحده أن يمنحها شهادة (الاستاذية) في الديمقراطية لتضفي على نفسها ما تشاء من نياشين الديمقراطية والقابها وهي التي أبادت ودمرت شعوبا كثيرة بدءا من هيروشيما وصعودا إلى غزة؟ 

الشباب الأمريكي فضح أمريكا وجاء الزمن لتظهرعلى حقيقتها وتأخذ حقها واستحقاقها الطبيعي ومكانها المناسب، ليأتي جيل جديد يحترم الانسان حقا اينما كان على الارض ويرفض العدوان.

ولغزة الفضل في ذلك وهو ما عجزت عنه دول و(امبراطوريات)، سقطت دونه ولتكون في موقفها حدا فاصلا في تاريخ الانسانية وليس المنطقة فقط.

غزة ايقظت ضمير العالم وخاصة الشباب وفي (قلعة الديمقراطية والحرية!)، وكشفت كذبة معاداة السامية التي اًستخدمت كثيرا لاسكات الاصوات، التي تطالب بالحرية وحقها في الحياة واحترام الانسان.

غزة محطة فاصلة بين جيلين.. جيل انتهى بعد أن مارس الخراب والقتل والتدمير وجيل جديد قادم يؤمن بالحرية والديمقراطية، وحق الشعوب بالاستقرار والبناء والعيش الكريم بسلام وأمان.. غزة ستنهي العجوز بايدن بعد ان وضع كل ما تملك امريكا من اسلحة وخبرات وصوت عال بالباطل في مجلس الامن، فكان شريكا لنتنياهو في الابادة الجماعية، التي ارتكبها ضد الاطفال والشيوخ والنساء وسيكون في مقدمة الراحلين بعد ان تحطمت احلامة وخطته في غزة ولم يحقق ما يريد رغم وحشيته والآلاف من الشهداء والجرحى الذين كانوا ضحية اجرامه.

في حرب غزة ستدفع أمريكا الثمن أضعافا مضاعفه واكثر مما دفعته في حربها في فيتنام وهيروشيما التي تتردد إلى اليوم على كل لسان.. الحرب الفيتنامية أطاحت برئيس أمريكي لأنه أخفى ما يعانيه الامريكان بسبب فيتنام وكشفته الصحافة.

الآلاف من الضحايا وتدمير كل ما على الأرض في غزة وتشريد أهلها.. لن تذهب سدى وسيكون لها صدى في كل دولة ساعدت العدوان عليها أو سكتت عنه، وفي المقدمة أمريكا وهي على ابواب انتخابات رئاسية، وكذلك في بريطانيا وفرنسا والمانيا وبداية النهاية للتطبيع العربي الذي كان من أسباب تشجيع نيتنياهو في جريمته.

 بوقفتها دخلت غزة بجدارة واستحقاق مدن التاريخ كمدينة لينينغراد وستالينغراد، وستبقى في ذاكرته حية تقرأها الأجيال لأنها من المدن التي اقترن اسمها بمعارك جرت على أراضيها أو حوصرت في الحروب في الحرب العالمية الثانية.. فهي إلى الآن في ذاكرة التاريخ وستبقى ليس ذكرى بل عبرة أيضا.

لقد دخلت ( غزة ) منذ السابع من اكتوبر الماضي في تاريخ المدن المحاربة، وجرت على أرضها معارك غيرت مسرى الحرب بين الطرفين وتعد شاهدة على معركة متفردة انهزم فيها الغزاة المحتلون وغيرت مجرى المعارك إلى الوجهة التي لا يريدها الصهاينة ومن تحالف معهم وفي المقدمة أمريكا والغرب. 

مدينة قدمت الآلاف من الشهداء والجرحى.. حاربت الموت بالرصاص والجوع لوحدها.. بينما كانت المدن الاخرى ضمن محور أو بين طرفين كما هي الحرب العالمية الثانية مثلا.

مدينة مقاتلة بكل ابنائها بما في ذلك الجنين في بطن امه والرضيع والشيخ الكبير.. كل إنسان له بصمة واضحة في هذه الحرب.