بين ١٤ تموز وعبد الكريم قاسم

آراء 2024/07/16
...

سالم مشكور

الجدل حول 14 تموز كان هذا العام بمستوى حرارة الطقس العراقي شديد السخونة. زاد من سخونة النقاش إلغاء العطلة الرسمية في هذا اليوم بعد عقود من الاحتفال بذلك اليوم عيدا لتأسيس النظام الجمهوري، على أنقاض الحكم الملكي.
نشأتُ في عائلة «قاسمية»، وأهلي أخبروني بأن اسمي مستوحى من سلامة عبد الكريم قاسم من محاولة الاغتيال قبل شهر من ولادتي في تشرين الثاني 1959.
حال عائلتي كحال مئات آلاف الأسر، التي رأت في قاسم نصيراً للفقراء عبر سياسات عديدة اتخذها، أشهرها انهاء هيمنة الاقطاع واستعبادهم لعشرات الآلاف الفلاحين، وتوطين سكان الخيام والصرائف في أحياء حديثة، مكنت أبناءهم من سلوك طريق العلم والعمل، حتى وصلوا إلى مستويات رفيعة، وغيرها
كثير.
لكن هذا الولاء والحب من هؤلاء يتوجه إلى شخص عبد الكريم قاسم وليس إلى انقلاب 14 تموز، رغم أن هذا الحدث هو الذي جاء بقاسم إلى السلطة. هناك مناصرون لقاسم كونه ثمرة 14 تموز والاطاحة بالحكم الملكي وهم في الغالب من اتباع الأحزاب السياسية «الثورية» تجمعها صفة «اليسار» والتي توالى أغلبها على حكم العراق حتى 2003، من قومية وبعثية، فضلا عن الحزب الشيوعي.
هؤلاء يسمون ما حدث في 14 تموز ثورة ويرفضون وصفه بالانقلاب. يحتج بعض هؤلاء بأن الدستور الحالي ينص على أن النظام جمهوري وبالتالي لابد أن يكون يوم تأسيس الحكم الجمهوري عيداً وطنياً.
في المقابل يقف فريق آخر بالضد مما حدث في ١٤ تموز واصفين إياه بالانقلاب الدموي. يرفضون وصف الثورة لأنها لم تكن من فعل شعبي انما حركة من مجموعة من الضباط للإطاحة بالنظام. هو جدل تزيد من تعقيده التفسيرات القانونية والسياسية لمصاديق المفردتين.
لا يخلو الفريق الرافض لـ 14 تموز من معترفين بخصال عبد الكريم قاسم بسبب زهده وترابيته وتوجهه إلى الفقراء، لكن هذا الفريق يرى أن «انقلاب 14 تموز» فتح الباب أمام هيمنة أحزاب أيديولوجية ساقت البلاد إلى صراعات وانقلابات أعاقت تطور البلاد، حتى انتهى بالعراق إلى دكتاتورية مقيتة قضت على كل معالم الحياة، وتركت عراقا مخربّاً سياسياً واقتصاديا واجتماعياً. يرى هؤلاء، ورأيهم لا يخلو من صواب، إن حال العراق اليوم حول نتيجة ما حدث في 14 تموز وما تلاه من عقود التخريب والتدمير الشامل.
يرفض هذا الفريق اعتبار 14 تموز عيداً وطنيا لأمرين، الأول: أن الاحتفال بالنظام الجمهوري يعني تنزيه أحزاب هذا النظام مما فعلوه في هذا البلد وما وصل اليه حتى اليوم بما في ذلك سوء اغلب الطبقة السياسية الحالية، التي لا يمكن فصلها عن عموم الخراب العراقي.
الثاني: إن الاحتفال بهذا اليوم يعني تأييد كل البشاعة التي ارتكبت في ذلك اليوم ضد العائلة المالكة بمن فيهم النساء، وهو ما يسيء إلى سمعة العراق في حال الإصرار على «الفخر» بتلك البشاعة.
والى كل هذا يرى معارضو 14 تموز أن ذلك الانقلاب ضيع على العراق فرصة نظام مستقر كان سيتطور طبيعيا، ليكون ملكيا دستورياً يملك فيه الملك فيما الحكم للشعب عبر ديمقراطية دستورية مستقرة.
ربما يقتضي الانصاف الفصل بين انقلاب 14 تموز، وشخص وخصال وخطوات عبد الكريم قاسم رغم انه أحد مخرجات ذلك
الانقلاب.
في العراق عندنا «خصال» ربما نتفرد بها، وهي اننا لا نرضى عن الحاكم ابتداءً، والسلطة هي عدو حتى يثبت العكس، وقلّما يثبت، ونترحم على أيام القادة بعد رحيلهم ( مع استثناء شخص صدام حسين الذي لا يمكن لمنصف أن يذكره بخير لبشاعة حكمه وسياساته)، قتلنا الملك وعائلته واليوم نترحم على ايامهم، وسحلنا نوري السعيد واليوم نكتشف الكثير من خصاله ونترحم عليه، وكذلك الحال مع عبد الكريم قاسم، وفي نظام ما بعد 2003 شواهد أيضا.
هو عنف في السلوك والممارسة والحكم على الأشخاص والاحداث، والجدل حول 14 تموز مثال واضح.