محمد صالح صدقيان
نتنياهو يريد الكثير من الإدارة الأمريكيَّة. يريد تنفيذ صفقة السلاح المتعثرة. يريد الدعم المالي. يريد المواجهة مع إيران. يريد التطبيع مع الدول العربية. يريد انهاء قطاع غزة قبل التوصل لوقف إطلاق النار. يريد عدم الضغط عليه في عدوانه علی القطاع، حتی يحقق أهدافه في العثور علی الأسری لإنقاذ نفسه من هزيمة المساءلة.
اتفقت جميع الأوساط أن الهجوم الإسرائيلي علی ميناء الحديدة اليمني في 20 يوليو / تموز الجاري أدخل المواجهة بين الكيان الإسرائيلي ومحور المقاومة بمرحلة جديدة. ربما كان رئيس وزراء الكيان نتنياهو بحاجة لمثل هذا الهجوم عشية توجهه لواشنطن، لكن تداعياته لن تكون بسيطة علی المشهد، الذي يتحرك باتجاه خلق قواعد جديدة للحرب تختلف عن تلك التي كانت خلال الشهور الماضية.
لم تتأخر حكومة الحرب الإسرائيليَّة من الرد علی المسيّرة اليمنية، التي وصلت عمق الكيان لأن وقت نتنياهو لا يسمح بتأخيره وهو يريد شد الرحال لواشنطن. أراد أن يضع الجميع أمام الأمر الواقع، خصوصا أنه اتهم ايران بالمسيرة التي وصلت عمقه الاستراتيجي. اللوبي اليهودي ينتظره في واشنطن وهو يجيد لعبة ابتزاز الإدارة الأمريكيَّة، خصوصا أن هذه الإدارة تمر بأصعب أوقاتها وظروفها السياسية. نتحدث عن الوضع الانتخابي للرئيس بايدن ومعهم الديمقراطيون الذين هم بحاجة لهذا اللوبي، الذي يمتلك ما يستطيع من مساعدة الديمقراطيين في اجتياز مرحلة السباق الانتخابي، خصوصا بعد الرصاصة التي أصابت إذن الرئيس ترامب!.
نتنياهو يريد الكثير من الإدارة الأمريكيَّة. يريد تنفيذ صفقة السلاح المتعثرة. يريد الدعم المالي. يريد المواجهة مع إيران. يريد التطبيع مع الدول العربية. يريد انهاء قطاع غزة قبل التوصل لوقف إطلاق النار. يريد عدم الضغط عليه في عدوانه علی القطاع، حتی يحقق أهدافه في العثور علی الأسری لإنقاذ نفسه من هزيمة المساءلة. ويريد ما هو أبعد من ذلك كله أن تبقی “اسرائيل أولا” في العقيدة الأمريكيَّة التي أخذت بالتخلخل بعد استمرار العدوان علی غزة. اختيار نتنياهو “التوقيت” مهم جدا للكيان لكن ليس بالضرورة مهم أيضا للإدارة الأمريكيَّة. قد يكون مهم للجمهوريين الذين يريدون استقباله في الكونغرس، لكن في نهاية المطاف زيارة ليست كبقية الزيارات، وهي زيارة ستكون غير مريحة ومزعجة للمشهد الانتخابي.
إيرانيًّا؛ نقلت مصادر مطلعة أن طهران تراقب الوضع والتطورات بدقة؛ وبناء علی ذلك أجرت مشاورات واتصالات بعد الهجوم علی الحديدة مع فصائل المقاومة، وتم تقييم الحادث ودراسة إمكانات الرد بعد تقييم ظروف الميدان في ساحات المواجهة، وقد سمعوا من أهل الدار في اليمن عزيمة وإصرارا علی الرد مهما كانت الظروف والأجواء. رد نوعي يستطيع أن يواجه الهجوم الإسرائيلي علی هدف مدني في اليمن الذي يعتبر الأول من نوعه.
في هذه الأثناء – تضيف المصادر – تلقت طهران اتصالات من جهات صديقة إقليمية ودولية بما في ذلك رسالة أمريكيَّة عبر وسيط تطالب كعادتها بضبط النفس والعمل علی عدم توسيع نطاق الحرب، حيث أعربت الرسالة عن تأكيد واشنطن بعدم الرغبة لتوسيع نطاق الحرب وهو الموقف الذي عبرت عنه منذ السابع من أكتوبر الماضي؛ لكن الجانب الإيراني أجاب بشكل واضح أن الكيان لم يكن بإمكانه القيام بالهجوم علی هدف مدني في ميناء الحديدة اليمني، ما لم تكن هناك مساعدة امريكية خصوصا وان الكيان عضو شريك في القيادة الأمريكيَّة الوسطی وان ضباط من هذه القيادة يقودون المعارك التي يخوضها الجيش الإسرائيلي في غرفة العمليات المشكلة في تل ابيب. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن طهران رأت في ردها علی الرسالة الأمريكيَّة أن المواقف الأمريكيَّة تقف حجر عثرة وتشكل عائقا أمام التوصل لوقف إطلاق النار في غزة.
بعض الأوساط اعتبرت أن هجوم ميناء الحديدة هي رسالة لطهران خصوصا أن الطائرات الإسرائيلية استغرقت في طيرانها اكثر من 3 آلاف كيلومتر، حتی وصلت الميناء اليمني وإن مثل هذه المسافة تستطيع أن تكون قريبة من الأهداف داخل الأراضي الإيرانيَّة علی ضوء التجهيزات والقدرات الأمريكيَّة التي تمتلكها إسرائيل؛ في حين اعتبرت أوساطا أخری الهجوم رسالة للبنان وتحديدا “حزب الله”، وماذا يريد أن يفعل اذا ما هوجمت محطات كهرباء أو مخازن وقود داخل الأراضي اللبنانية علی خلفية الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية التي يمر بها لبنان.
من المستبعد أن يقامر نتنياهو بهذه الاحتمالات لأنها خطيرة واستراتيجيَّة علی وجود الكيان. القوة الإيرانيَّة ليست محصورة الآن داخل الأراضي الإيرانيَّة. إنها موزعة علی مناطق متعددة، وهي في نهاية المطاف تشكل عوامل جيواستراتيجية موجهة ضد الكيان. يمكن لنتنياهو المغامرة في حالة واحدة، وهي شعوره بالهزيمة عندها سوف يضحي بما يملك، وإن كان ذلك يستهدف وجود الكيان، لكن يجب ألا نبعد مصالح الكيان في إسرائيل واللوبي المناصر للكيان في الولايات المتحدة والعالم؛ وإن هذه المصالح لن تسمح له بمثل هذه المغامرة لأن “مصالح اسرائيل” هي في الأولوية كما كانت مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين.
يخطئ من يعتقد أن ايران منشغله بتشكيل حكومتها بعد الانتخابات الرئاسية وان اهتمامها بالتطورات الإقليمية ليس بتلك القوة التي كانت في عهد الرئيس السابق ابراهيم رئيسي. إن هذا الاهتمام لا علاقة له بمسار التشكيل الحكومي وإنما بالتعريف الذي وضعته طهران لأمنها القومي والأمن الإقليمي، الذي يمتد لشواطئ البحر الأبيض المتوسط كما تقول طهران.
ما نسمعه من أقوال ومواقف متضاربة من واشنطن حيال تطورات الشرق الأوسط يشي إلی أن هناك عدم وحدة موقف بين أركان الإدارة.. بين وزارة الخارجية والأمن القومي والمخابرات والدفاع. التصريحات التي نسمعها تدل بوضوح علی إرباك داخل الإدارة، وهو ما أشار له الرئيس ترامب بوضوح في مؤتمر الحزب الجمهوري. هل فعلا أن الولايات المتحدة الأمريكيَّة هي كما وصفها الرئيس ترامب؟ ربما ؟ بالتاكيد هو يعرف بلده اكثر مما نعرف.