حداثة التعبير عند روضان بهية

ثقافة 2024/08/08
...

  مرتضى الجصاني 

 

تعد اللوحة الخطية التعبيرية الكلاسيكية نادرة في عالم الخط العربي، فهي التطور الحقيقي للخط العربي على وفق أصوله واستخدام أبعاده الناضجة في التعبير عن النص الكتابي، وقد بدت ملامح هذه اللوحة في أعمال الخطاطين الأقدمين على شكل كلمات هنا وهناك، حيث تتم كتابتها بشكل يعبر عن محتواها حتى بقيت هذه المنطقة من الاشتغال بعيدة عن الخطاطين، لأنها وعرة فنيا وثقافياً وتحتاج إلى ثقافة فنية وخطية وقوة في الأداء. 

وتكمن أهمية تجربة الدكتور روضان بهية ليس فقط في كونها مختلفة عن مجايليه من الخطاطين، بل في قوة أدائها وتراكيبها المستخدمة، وكذلك في توظيف الزخرف الإسلامي في التعبير عن النص بشكل جمالي على وفق المدارس الزخرفية المعروفة، وأيضاً تزداد أهمية تجربته من حيث تكرار هذا النسق من الأعمال، وهو جانب تصويري تأويلي وليس تصويرا للخط، عبر رسم النص على شكل صورة، إذن هو تعبير وليس تصوير فقط.  وتصوير النص بشكل تعبيري يشكل علامة فارقة في أعمال بهية. وهذا النسق من الأعمال الخطية ليس نادر الوجود من حيث توافر العناصر واجتماعها، وهي قوة الأداء والمقصود به جمالية الحرف وكتابته على وفق الأصول الخطية المعروفة وقوة التركيب الفني من حيث المساحات والكتلة والفراغ والإيقاع وغير ذلك. وقوة التعبير، الذي عادة يكون خفي غير ظاهرا يبتعد عن المباشرة والسطحية عبر إعطاء النص صورة تأويلية كاملة تتشكل من خلال عناصر الحرف والزخرف، ولدينا مثالين من أعماله اللوحة الأولى هي نص قرآني من سورة يوسف

( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة )

وهي مكتوبة بخط الثلث الجلي وبكتلة ترتكز عليها السنابل السبعة على شكل زخرفة موزعة بشكل جمالي مع كلمة (حبة) في ذيل الكتلة الخطية، إضافة إلى صوان الكيل مزخرفة على كلا جانبي اللوحة بلون أزرق قاتم لتعطي توازنا جماليا وشكلا متناظرا بنفس الوقت، وبذلك تتكون لوحة متكاملة من حيث البناء الجمالي والتعبير الخطي على أصوله، فالتجديد عند بهية يكمن في شكل التعبير فقط، إذ لا يدخل إلى الجزء الأخير من سلسلة القراءة، وهو التأويل وإن كانت هذه الأعمال لا تخلو من التأويل، إلا أن السمة الطاغية عليها هي التعبير. 

أما المثال الآخر هو النص القرآني (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدًا إلى يوم القيامة

من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون)، فللوهلة الأولى يمكن ملاحظة الخلفية المتدرجة في اللون من الأسود إلى الرمادي ثم الأبيض في إشارة واضحة لتعاقب الليل والنهار، الليل الذي يكون سرمدا في النص القرآني يتخذ من الخلفية لونا له حتى ينزل إلى البياض كالليل إذا نزل الصبح. من جهة أخرى يستخدم الفنان أشكالاً زخرفية تمنح العمل الفني شكلاً رمزيا لأشعة الشمس، وهي تكاد تكون تنبثق من الليل ينحدر منها الصبح وتعلوه بضع غيوم صينية لتعطي شكل السماء مع زخرف نباتي، أما خلفية النص فقد اتخذت لونا أقرب للصفرة أو (اوكر) وهو من جهة لون الورق القديم، ومن جهة أخرى يخلق تباينا بين النص الكتابي وخلفيته، كما له ملمح ضوء النهار. ويرتكز النص الأساسي في وسط اللوحة في تركيب متجانس وقوي الحروف وتتخذ لفظ الجلالة منتصف العمل كدلالة على مركزية النور الإلهي في حين يعلو القوس الكتابي وتنصف اللوحة بشكل متناهٍ في الدقة.  إن الشكل التعبيري لهذا العمل هو طريق مختلف في العمل الخطي لم يتطرق له الكثير، بل جعل بهية هذا المنهج التعبيري أشبه بأسلوب خاص به من ناحية قوة الأداء التعبيري.