الابتكار التنموي

اقتصادية 2024/08/08
...

عبد الزهرة محمد الهنداوي



وفي ظل كل هذه التعقيدات والتداعيات الخطيرة، يأتي دور خطط التنمية في وضع الحلول المناسبة التي تستوعب مثل هذه التداعيات وتبعد خطرها عن الإنسان
نحن في عالم يتقدَّم بسرعة هائلة، تفوق سرعة الكواكب والشُهب في الفضاء، ففي كلِّ صباح نصحو على اكتشاف جديد، يغيّر مسارات الحياة، وينقل الناس من حال إلى حال، ومع كلِّ اكتشاف، تختفي الكثير من الوظائف، وتظهر أخرى جديدة، تفرض على الناس التعامل معها، لكي يستمروا على قيد الوجود، وإن لم يفعلوا، فسيجدون أنفسهم خارج أسوار الحياة بصيغتها الجديدة القابلة لتغيير مساراتها في كلِّ لحظة!!.

هذا التغيير الذي نتحدث عنه، هو الآخر يواجه الكثير من التحديات، التي تمثل ضغطاً على حياة الإنسان، وهي تستدعي بالضرورة، التعامل معها لتقليل آثارها في الحياة، أو في الأقل التكيّف معها، ومما لاشكَّ فيه أنَّ كلَّ هذه المقاربات وما يتعلق بها من ملفات، تتصل بالواقع التنموي الذي ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار هذه القضايا، ويضعها على الطاولة، من أجل وضع الخطط والسياسات المناسبة، لاستيعابها، بما ينسجم ومتطلبات الحياة، وأولويات البقاء على قيدها، ومن أولى التحديات تلك التي ترتبط بالإنسان نفسه، والمتمثلة بالزيادة المضطردة للبشر، وتزاحمهم على الموارد الموجودة فوق الأرض وفي باطنها، هذا فضلاً عمّا يشهده العالم من صراعات وحروب ومشكلات متجددة تهدّد مصادر الغذاء والطاقة، وما يرافق ذلك من تغييرات مناخية باتت تثير الرعب، وقد يكون الإنسان هو العامل الأكبر في حدوث وتفاقم هذه الأخطار، بما يقوم به من سلوكيات غير مدروسة.

وفي ظلِّ كلِّ هذه التعقيدات والتداعيات الخطيرة، يأتي دور خطط التنمية في وضع الحلول المناسبة التي تستوعب مثل هذه التداعيات وتُبعد خطرها عن الإنسان، ولأننا نعيش في عالم سريع التغيير، لاسيما بعد غزو الذكاء الاصطناعي لحياتنا، فلذلك لابد لخطط التنمية أن تكون متوائمة مع تلك التغييرات، وتحويلها إلى فرص مناسبة لتحسين مستوى الحياة، وهذه المواءمة تتطلب حلولاً ومعالجات مبتكرة وغير تقليدية، وإلّا فإنّها ستكون مجرد وثائق لا تُسمن ولا تُغني، ومصيرها رفوف النسيان، وفوق هذا وذاك، من الأحسن لخطط مثل هذه أن تكون ذات صبغة إلزامية، لضمان تطبيقها وتحقيق أهدافها.

وما زلنا نتحدث عن التحديات والحلول المبتكرة، وخصوصاً تلك التي تُعنى بتحسين وتطوير بيئة الاستثمار في رأس المال البشري، الذي يمثل المرتكز الأساس للنهوض التنموي، ومرتكزات هذا الاستثمار تستند إلى التعليم والصحة بالدرجة الأساس، والحديث هنا عن واقعنا العراقي، فقطاع التعليم- كما باقي القطاعات التنموية- شهد تراجعاً، من جراء الظروف التي مر بها البلد، حيث انخفضت معدلات الالتحاق الصافي في الدراسة الابتدائية، وارتفعت نسب الأمية والتسرّب من الدراسة المتوسطة والإعدادية، خصوصاً في عقد التسعينيات من القرن الماضي، والعقد الأول بعد عام 2003، والحال نفسها تنسحب على قطاع الصحة، وبالمختصر أنَّ العراق شهد انفصالاً تنموياً دفعه إلى واد غير ذي تنمية، وكل ذلك يستدعي من المخططين وراسمي السياسات إصلاح هذا الانفصال، وإعادة المركبة إلى مسارها السليم، والأمر ليس مستحيلاً، إنما تكتنفه الكثير من الصعوبات، وهذه الصعوبات تحتاج إلى خطة وقرار وإرادة لتحقيق أهدافها، وهكذا جاءت خطة التنمية الوطنية الخمسية للسنوات الخمس المقبلة التي أعلنت عنها الحكومة مؤخراً، والتي رسمت مساراتها نحو أهدافها ببرمجة الفعل التنموي بصيغ وأساليب مبتكرة.