حماية التربة الصحيَّة تديمُ الحياة على الأرض

علوم وتكنلوجيا 2024/08/18
...

 خوان لوكاس ريستريبو وبارون جوزيف أور

 ترجمة: بهاء سلمان


تتعرّض التربة في جميع أنحاء العالم للتآكل والتدهور بسبب الأنشطة البشرية، مثل التوسع الزراعي وإزالة الغابات والتوسع الحضري، ما يقوّض قدرة الكوكب على دعمنا وتنظيم المناخ؛ غير أنَّ خطة العمل الجديدة التي تبنّاها الاتحاد الأفريقي تقدمُ بصيصَ أمل.

تحت أقدامنا يكمن أقوى حليف للإنسانية في مكافحة تغيّر المناخ والتدهور البيئي. في حين قد تبدو التربة وكأنها ترابٌ للبعض، إلا أنها أساسُ الحياة على الأرض، حيث تستضيف التربة الصحية مجموعة مذهلة من الأنواع التي تقدم فوائد حاسمة للكائنات الحية، بما في ذلك البشر؛ فالتربة تلعب دوراً رئيساً في تدوير العناصر الغذائية الضرورية لكلٍ من النظم البيئية الطبيعية وخمس وتسعين بالمئة من السعرات الحرارية التي نتناولها. كما أنها تخزّن المياه، الأمر الذي يعزز القدرة على الصمود في مواجهة الجفاف.

من البكتيريا إلى ديدان الأرض، تعجُّ التربة بأشكال الحياة المتنوّعة، والتي تعمل جميعها معاً للحفاظ على بنيتها وخصوبتها وإنتاجيتها. لا يغذي هذا النظام البيئي النابض بالحياة البشرية فحسب، بل يعمل أيضاً كمصرفٍ ضخمٍ للكربون. تحبس التربة الصحية، المخصبة بالمواد العضوية، الكربون في الأرض، وتمنع إطلاقه في الغلاف الجوي، وتخزن ثلاثة أضعاف ثاني أكسيد الكربون من جميع النباتات الأرضية مجتمعة.

لكنَّ التربة في جميع أنحاء العالم تتعرض للتآكل والتدهور بسبب الأنشطة البشرية مثل التوسع الزراعي وإزالة الغابات والتحضّر، ما يقوّض قدرة الكوكب على دعمنا وتنظيم المناخ.


عمل جماعي

إنَّ الاتحاد الأفريقي، إدراكاً منه للدور الحيوي الذي تلعبه التربة الصحية في التخفيف من آثار تغير المناخ، وعكس مسار فقدان التنوّع البيولوجي، والقضاء على الجوع والفقر، عقد مؤخراً قمة الأسمدة وصحة التربة في نيروبي. واعتمد القادة خطة عمل مدتها عشر سنوات لتعزيز الأسمدة العضوية ومساعدة البلدان الأفريقية على تحقيق الأهداف الطموحة التي حددتها اتفاقيات ريو لعام 1992 بشأن التنوع البيولوجي وتغيّر المناخ والتصحّر.

إنَّ مواءمة خطة عمل الاتحاد الأفريقي مع الالتزامات الوطنية أمرٌ بالغ الأهمية لمكافحة تآكل التربة. ومن خلال مواءمة هذه التدابير مع أهدافها الوطنية للحد من الانبعاثات، وأهداف حياد تدهور الأراضي، واستراتيجيات التنوّع البيولوجي، يمكن للبلدان الأفريقية ضمان أنَّ الجهود المبذولة لاستعادة الأراضي المتدهورة تعمل أيضاً على تعزيز التخفيف من آثار تغيّر المناخ وحماية التنوّع البيولوجي، وبالتالي تعظيم التعاون والحد من التنازلات.

إنَّ التنفيذ الناجح لخطة عمل الاتحاد الأفريقي يتطلب أيضاً تعزيز التعاون بين القطاعات وإشراك أصحاب المصلحة لضمان التماسك والفعالية. إنَّ تعزيز الاستثمارات في استعادة الأراضي في مختلف أنحاء القارة أمرٌ حيويٌ، إذ تظهر الأبحاث أن كل دولار يستثمر في استعادة الأراضي المتدهورة يمكن أنْ يولد ما يصل إلى ثلاثين دولاراً من الفوائد الاقتصادية.

ولكن منع التدهور بشكل تام يستلزم المزيد جداً من التكاليف الباهظة. ونظرا لأنَّ الزراعة تمثل حاليا ما يقرب من 23 % من الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا وتدعم 60 % من سكانها، فيجب على الحكومات والمستثمرين من القطاع الخاص النظر في المقايضات الاقتصادية التي تنطوي عليها جهود توسيع نطاق الحفاظ على الأراضي في القارة. وفي حين يمكن لمثل هذه الاستثمارات أن تساعد في عكس فقدان التنوّع البيولوجي بحلول منتصف القرن، يجب استكمال مبادرات استعادة الأراضي بتدابير مثل التكثيف المستدام لمنع ارتفاع أسعار المواد الغذائية.


بحوث جدية

ويلعب العِلمُ دوراً حاسماً في تحويل هذه المقايضات إلى فرص. وقد استكشف الباحثون على نطاق واسع إمكانية تجديد الكربون العضوي في التربة الاستوائية باستخدام الأعشاب العلفية ذات الجذور العميقة، وخاصة النوع المسمى براتشيريا. إن هذا العشب، الذي ينمو في شرق وجنوب شرق أفريقيا، يعزز خصوبة التربة عندما يتم دمجه مع استراتيجيات الرعي الدوري، كما يمكن أن تقلل إفرازات جذوره من انبعاثات أكسيد النيتروز، وتحسن احتجاز الكربون في طبقات التربة العميقة. وتظهر الدراسات الحديثة أن المزارع التي تتبنى مثل هذه الأعشاب يمكنها بالتالي تعويض انبعاثات الميثان من الماشية وحتى تحقيق بصمة كربونية سلبية.

والأمر الحاسم هو أنَّ البلدان الأفريقية يجب أنْ تقدمَ الحوافز المناسبة لتشجيع المزارعين على تبني أساليب الإنتاج الإيجابية للطبيعة والتي تعزز صحة التربة، مثل الممارسات الزراعية البيئية أو الزراعة التجديدية. وقد اكتسبت هذه الأساليب بالفعل زخماً في جميع أنحاء القارة، ما أدى إلى زيادة غلة المحاصيل وتحسين الجودة الغذائية وتقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي.


موقع بروجكت سينديكيت