نوح ويبستر..فلسفة أنتجت القاموس الأميركي الأول

ثقافة 2019/06/17
...

 
بيتر مارتن  ترجمة: ليندا أدور
 
 
 
في عام 1789، دعا نوح ويبستر، الولايات المتحدة الأميركية، المستقلة حديثا، لأن تكون لديها لغتها الانكليزية بنسختها الوطنية الخاصة بها بقوله: “لقد آن الأوان، وهذه هي البلاد، لننتهز هذه اللحظة الحالية ونؤسس للغتنا الوطنية، الى جانب حكومة 
وطنية”.
تلك هي الكلمات التي كتبها ويبستر، وهو في 31 من العمر، قبل وقت طويل من تجميعه لقاموسه الرئيس الأول في البلاد. كانت دعوة صريحة وواضحة لتوحيد واستقلالية اللغة الأميركية وهو ما أتى على ذكره في كتابه “طروحات عن اللغة الانكليزية”، ففي مقاله المؤلف من 409 صفحة والتي كانت جديرة بالملاحظة بحق وذلك لجرأتها وطولها بذات القدر الذي كان لتأريخها الشامل والعام للغة. ان نقطة الحوار الرئيسة التي يدور حولها الكتاب تذهب الى أن تكون قريبة من: لا يجب ان تكون هناك نخبة في الولايات المتحدة، وان لا يكون هناك تمييز لغوي بين الطبقات والأقاليم.
 
الزخرفة الزائدة
بالنسبة لويبستر، فقد وفرت الأمة الجديدة فرصا نادرة لاصلاح اللغة، فرصا قد تتلاشى سريعا، محذرا من عدم اغتنامها قبل أن تتدهور حال اللغة الأميركية، كما حصل مع البريطانية، بسبب تزايد الفساد المحلي كاللهجات المحلية، والتأثيرات، والحنين الى آداب السلوك وعادات اللغة الأنكليزية، والانقسامات الطبقية وغيرها من الشرور التي لا حصر لها. على أقل تقدير، لم تكن الولايات المتحدة مجبرة على التعامل مع الآثار الضارة “للزخرفة الزائدة” في النثر كإدوارد جيبون وصامويل جونسون، لغة النبلاء والبلاط البريطاني، و”تأثير الرجال” الذين درسوا باللغة اليونانية واللاتينية، لكنهم يجهلون لسانهم
، والذين اشتغلوا كثيرا على رفض الكثير من الأنكليزية الجيدة، لأنهم لم يفهموا التركيب الأصلي 
للغة”.
تصور لنا “طروحات” وفي سنه المبكرة تلك، ذاكرة ويبستر الغنية واهتمامه المتواصل والدقيق بما يمكن أن تصبح فيما بعد مواضيع ذاتية التعريف في جهوده لاصلاح صورة اللغة الأنكليزية في أميركا، فمئات الأصوات واعداد لا حصر لها من الأمثلة عن فئات من الحروف والكلمات التي تسهم في تعقيد نطق اللغة الانكليزية
، وقواعد الاملاء والتهجئة التي تربك النطق المتناغم، وعدم انتظام التهجئة التي تعرقل الصغار والكبار على حد سواء
، وعلم الاشتقاق الذي قلة قليلة فقط من الناس يولي له الاهتمام، لكن هذا من شأنه، ان تم التعامل معه وفقا لاسلوبه، سيوضح ويساعد في حل الكثير من المشاكل التي تعترض طريق تعلم واستخدام 
اللغة.
مخزون مشترك
أن أكثر ما يميز “طروحات” هو ما يتعلق بتقييمه لعيوب الثقافة الأميركية، وبغضه تجاه التأثيرات الأجنبية، والتماساته المتكررة لإقصاء اللهجة والنطق المحليين وإنشاء “معيارا” للغة، وتأكيداته على أن جميع اللغات تنحدر من “مخزون مشترك”، فضلا عن خطته المدروسة لاصلاح التهجئة في أميركا وبشكل خاص، الارتياب من مجموعة من السلطات المزعومة في أمور تتعلق باستخدام اللغة، والتي، ان لم يتم التحقق منها، يصر ويبستر على انها ستشكل تهديدا للوحدة الوطنية. يمكن لمفاهيم فلسفة ويبستر أن تتعارض، في بعض الأحيان، فيما بينها، بالرغم من أن حرصه على امتداح بنيامين فرانكلين لعدم اتباعه “سلطة دكتاتورية”. 
بلغت خسارة ويبستر عن “طروحات” نحو 400 دولار أميركي (اي ما يعادل 10 آلاف في يومنا هذا)، ما زاد من مخاوفه المالية. أكثر من أي شي آخر، أراد ويبستر أن يدخل مجال الكتابة، لكنه فكر في تجربة عالم الأعمال، ربما كتاجر كتب في بوسطن. كتب ويبستر رسالة قال فيها: “ان التخلي عن كل توجهاتي الأدبية، والتي هي الآن، لا تتلائم مع عاداتي، لن تجعلني غير سعيد”. لذا كان قراره، بدلا من ذلك، أن  يقبل عرضا قدم له للتحرير والكتابة في صحيفة “مينيرفا الأميركية” الفيدرالية، في نيويورك، والتي خضعت لتغييرات في الاسم والادارة  قبل أن يقطع ويبستر المنهك علاقته بها.
 
التبعية اللغوية
انطلاقا من احساسه بالمرارة وغرقه بالديون، شعر ويبستر بالحزن على أميركا التي بدأت “بالانهيار” قائلا في عدد صحيفة “مينيرفا” الصادر بتاريخ 12 من تموز من العام 1797: “منذ عصر آدم، حتى هذه اللحظة، لم تكن هناك بلادا، ابتليت بالفساد والرجال الأشرار أكثر من الولايات المتحدة الاميركية” مضيفا “حيث المضاربون مفلسون، وأفلس الأثرياء وانتشر الملحدون الوطنيون في عموم أميركا، يخدعون الناس بالاكاذيب، نرى في جمهوريتنا الجديدة حكومة حرة تسرع نحو 
الانهيار”. 
لم يكن ويبستر وحده في رثائه لبلاده، فقد شاركه ذلك الأميركيون، وعلى نطاق واسع، بضمنهم المؤسسون، بعد أن عم الفساد المؤسسات الاجتماعية والفكرية للأمة الجديدة بسبب الافتقار الى السلطة الموحدة في ديمقراطية غير منضبطة، سواء في مجال السياسة او العادات والاساليب الاجتماعية او الدين أو
 اللغة.القى ويبستر باللائمة على الطبقات الحاكمة البريطانية في أغلب المشكلات التي شخصها في التعليم الاميركي بمرحلة الطفولة المبكرة واللغة الأميركية، عادا ذلك، جزءا من الضائقة التي  عانت منها الأمة الجديدة التي فشلت في اعلان استقلالها الثقافي عن بريطانيا. 
حسب رأي ويبستر، فان قلب وروح هذه المشكلة هي التبعية االغوية، فقد حولته الى، وفقا لوصف البعض، الاستراتيجي الأول للغة في البلاد. بعد أن قرأ عددا من المقالات لفلاسفة ألمان عن كيف يمكن أن تحدد اللغة الوطنية السلوك الاخلاقي لشعب بلد ما، أصبح على قناعة تامة بأن يمكن للغة القومية ان تكون جزءا لا يتجزأ من ثورة ثقافية أميركية شاملة، ثورة، كان يأمل، أن تؤكد على الحفاظ على الثقافة الأميركية الجمهورية، لها تأثيرات كبيرة وبعيدة المدى على مؤسسات البلاد، فضلا عن أخلاق وسلوك 
مواطنيها.أمضى ويبستر بقية حياته مكرسا جهوده الحثيثة لخلق معيار غامض، الى الحد الذي لم يدن يوما من الموجود حاليا في الحياة الثقافية الأميركية. وبوفاته في العام 1843، كان ويبستر يشعر بالخذلان والغضب معا، فرؤيته لأمة موحدة، الى حد ما من خلال لغة أميركية مميزة، قد ذهبت أدراج الرياح وان معجمه في طريقه الى الانقراض، او هكذا كان يعتقد.
 
 
*مجلة ذا اتنلانتك الأميركية