حجر الإحتفاء بالجمال

ثقافة 2019/06/17
...

حميد حسن جعفر
 
 
يقول المهتمون بالكتابة وشؤونها، إنها تنتمي إلى عالم إعادة الخلق، أو إلى صناعة البدائل، هكذا يتخذ الشاعر منها وسيلة لصناعة المعارضة، للتعبير عن عدم رضاه عما يجري، ولما يجري، ورغم أن الكتابة بأشكالها المتعددة تنتمي إلى القدامة، إلى الماضي الأول/ القديم، حيث كان الرسم والتصوير أحد أشكالها التي عثر عليها المنقبون في الإنفاق والجحور والكهوف حيث كانت تشكل جانبا تصويريا مهما، يتخذ منه السحرة أداة للاتصال مع الآلهة، حين كان الساحر /الكاهن الوسيط بين الخالق والمخلوق، و ليتمكن من بعد ذلك الشاعر من أن يمسك بالدور المزدوج، دور الشاعر/ الإله، و ليتمكن من أن يضع قدمه على طريق إعادة كتابة الماضي.
علي نوير وعبر “حجر الليل” ومن خلال أول مداخل النص يعمل على الاستفادة من خصيصة وإمكانية الكتابة في الوصول إلى اوليات الحدث /الحياة، و ليطلق رؤيته في اعادة تشكيل الحياة، وإعادة كتابة التاريخ من غير أن يسلب الإله قدراته، إنه يتابع عملية الخلق والنزول على الأرض، و كيفية بروز مكونات العالم /الأرض، هل كان الشاعر في ليله حالما؟ أم صانعا للأحلام! 
هل كان مستحضرا للماضي؟ أم متذكرا إياه! لم يكن الشاعر في ليله هذا وحيدا، ضمن وضع فيزياوي، لا سواه من يملأ الفراغ، بل كان محتشدا بالأصدقاء والمعارف، جيوب ذاكرته كانت ممتلئة بسيولة الزمان، و حميمية المكان، والصحبة التي ينتقي منها ما يشاء، فقد كانت القصيدة، منذ أن ابتكر الإنسان/ الشاعر قدرته على الخلق الافتراضي -الكائن الأول والأخير له -لا ليحولها إلى تابع، بل لتكون مصاحبة لحله وترحاله، الشاعر هو المنتج/ الخالق للنص الشعري، أي كان شكله، أو بنيته، العلاقة هنا علاقة تكافئ، علاقة القرين بالقرين، لذلك كانت القصيدة تمثل فعلا مقصودا، لا يسعى إلى التخلي عن كينونته مهما كان منتجها، بل إن الشاعر ذاته لا يعلن على إنتاج الرق، حيث تتحول مجموعة القصائد إلى مجموعة أبواق، رغم وجود هكذا علائق تنتمي للسعة والضيق، إلا أنها تظل ممثلة لجانب تكتيكي/ لفعل مؤقت، يطرح نفسه بضغط من سلطة عليا تتحرك ضمن طقس مؤقت، لذلك تشكل حرية الكتابة وحيوية الشعر/ القصيدة تحديدا، حركة مقاومة للاستعباد لذلك كان على الشعراء أن يتحرروا من سلطنة التابع، ليحرروا ذاتهم أولا، ولذلك كانت القصيدة ممثلة لما ينتمي للنور، إلى ديمومة الحراك، وضرورة عدم التنازل عن إنتاج المديات الجديدة، هذه المهمة لا تترك فرصة للسلطات التي تقف خارج إنتاج القصيدة لكي تفرض قوانينها. 
**
في الليل يتحرر الكائن من رقابة الآخر، يتحرر من متابعة الخصوم، و ربما تشكل العتمة/ الليل ما يقابل الإضاءة، حيث الإحساس بالطمأنينة، الليل ستار يتمكن الفرد من التحلل، من إدارة شؤون الجسد والذاكرة، من التخلص من تلصص الآخر حتى وإن كان الوليف، العتمة فضاء مفتوح غير محدود حيث يتحرر الشاعر من ربقة الانتماء للحس الجمعي، والتخلص من سلطة البنية المجتمعية الثقافية، فالقصيدة عامة لا تكتب في وعن الفراغ، الوحدة والعزلة لا توفران للنص ديمومة، لذلك تشكل القصدية في الكتابة منصة واضحة ينطلق من خلالها الشاعر إلى ما يوفر له فعلا لا ينتمي للوحشة، القصيدة توجب عليه أن يتجه إلى مكونات الفضاء الي يفقد خصوصيته من خلال توفر الامكنة والأزمنة والأشخاص، من خلال تفعيل الكسول من أدوات الحياة، والمهمل من
 الأحداث.
الشاعر علي نوير كسواه من الشعراء الباحثين عن المختلف في الكتابة يجده القارئ ذاهبا إلى المسرح/ أبو الفنون، وما ينتمي إلى -الاوبريت- خاصة، حيث النص الذي يتشكل من خلالها الحوار والجدال، و تعدد الشخصيات! هذه البنية الشعرية الكتابية التي استعان بها الشعراء، حيث الاستفادة من صناعة الصراع والتناقضات، هذه البنية الكتابية تبدو واضحة لدى الشاعر عبر النص الشعري الطويل/ المركب -هناك تحت معطف غوغول -ص31، ولتتجلى مسرحة الحدث بشكل واضح ضمن بنية تشابيه/ عين الكاميرا ص56، حيث يتمكن عبر استحضار الماضي، التأكيد على العبثية التي تصيب الواقع المعيش، لتظل الحقول المجاورة للقصيدة، أعني السرد والمسرح والتشكيل والسينما وما ينتمي للتاريخ/ الميثولوجيات، لتظل هذه المفاصل المعرفية تمثل أكثر من مخرج للخلاص من سكونية النص الشعري التراثي، بل وحتى المعاصر، لقد استطاع هذا التنافذ من الوصول إلى روح الإبداع، بتعدد منابره، أن يوفر للشاعر القدرة على لتبدا صناعة الاختلاف، وعلى التأكيد على أن الإبداع كل
 واحد. 
في تاريخ الشاعر علي نوير، هناك المغامرة المحاذية للمسرح في -تشابيه -ص55 يستحضر الشاعر التاريخ-أحداثا وشخصيات-،و ليمد يديه إلى قدرات المسرح الاحتفالي/ مسرح التعزية في تحريك الكتابة، وتخليصها من الكسل والخمول الذي أصاب جسد وروح القصيدة.