سد الموصل بين الاستدامة ومخاطر الانهيار

آراء 2024/08/26
...

 د.محمد بهجت

اهتم مجلس الإعمار في نيسان 1950 بإنشاء السدود الكبيرة على نهر دجلة وروافده ونهر الفرات وذلك لأغراض الري ودرء أخطار الفيضانات العالية وتوليد الطاقة الكهربائية، كما تستغل لأغراض السياحة والثروة السمكية. لذلك أولى مجلس الإعمار بإعطاء مشاريع السدود عناية كبيرة واهتماما فائقا.
أسند مجلس الإعمار فكرة إنشاء سد الموصل عام 1950 إلى شركتين بريطانيتين لإجراء التحريات اللازمة واختيار موقع ملائم للسد. قامت الشركتان بدراسة عدة مواقع ثم اختارتا موقعين ملائمين لبناء السد، وانتخب أحدهما على بعد (12) كم شمال شرق أسكي موصل، وبعد اجراء فحوصات جيولوجية للموقع قدمت الشركتان تقريرا مشتركا في عام 1953 مع مجموعة من المرتسمات والخرائط، بعد ذلك قرر مجلس الإعمار في 1956 ان يعهد بأعمال تحريات موقع السد إلى شركة (كولجيان الأمريكية)، وبعد مضي سنة كاملة قدمت الشركة تقريرها متضمنا نتائج تحرياتها وفحوصاتها ومقترحات وفي عام 1957 عهد مجلس الإعمار إلى شركة (هارزا) الأمريكية القيام بالتحري من جديد وإعداد التصاميم اللازمة للمشروع واختيار الموقع الملائم. وبسبب الأحداث السياسية عام 1958 وتحول العراق من العهد الملكي إلى الجمهوري، تم إلغاء مجلس الإعمار فقدمت الشركة عام 1960 تقريرها المتضمن التصاميم الأولية للمشروع في ضوء التحريات، التي قامت بها إلى وزارة الري، وقد وجدت الشركة نتيجة التحريات الجيولوجية أن الموقعين اللذين اختارتهما الشركتان، لا يصلحان لإنشاء السد لوجود طبقات من الجبس قابلة للذوبان وطبقات من الطين الخفيف، لذلك اختارت شركة(هارزا) موقعين آخرين مجاورين لبناء السد وإنشاء المسيل والمحطة الكهرومائية، ووضعت التصاميم اللازمة على أن تجري أعمال التحشية بالسمنت، تحت القسم الأصم لمنع تسرب المياه من حوض الخزان، وبموجب الاتفاقية العراقية السوفيتية عهدت الحكومة العراقية إلى مؤسسة (تكنو بروم اكسبورت) السوفيتية القيام بدراسة عامة لإمكانات مشاريع الري الكبرى على نهر دجلة، ومن ضمنها مشروع سد الموصل، وقد قدمت المؤسسة تقريرها سنة 1962 محتويا وصفا للمشاريع المختلفة، إلا أنها لم تتفق على الموقع النهائي للسد والمسيل، وكذلك المحطة الكهرومائية واقترحت إجراء تحريات جيولوجية دقيقة للموقع قبل المباشرة بالعمل، لذا دعت الحكومة العراقية في عام 1964 عدة شركات استشارية عالمية لتقديم عروضها للقيام بدراسة الموضوع من جديد وإحضار التصاميم النهائية، وقد وقع الاختيار على شركة فنلندية والتي ذكرت في تقريرها أن السد سيؤمن بعد إكماله الزراعة الدائمية الكثيفة لمساحة تقرب من ثلاثة ملايين ونصف مليون دونم من الأراضي القابلة للزراعة على جانبي نهر دجلة في الموصل وبغداد والكوت والناصرية والعمارة والبصرة، كما سيؤمن المياه لاحتياجات الزراعة الصيفية في أواسط وجنوب العراق، ومن أغراض السد أيضا توليد الطاقة الكهرومائية والسيطرة على مياه نهر دجلة، لدرء اخطار الفيضان وبخاصة مدينة الموصل استمرت الشركة الفنلندية بالدراسات والتحريات لسد الموصل، واختيار الموقع الذي يبعد (60) كيلومترا عن مدينة الموصل على نهر دجلة قرب قرية ضوء القمر، وقد تم توقيع عقد للتحريات الإضافية لموقع السد، وصدر أمر المباشرة بالأعمال في عام1967 ولكن الأحداث السياسية عام 1968 أعاقت إنشاء المشروع وبعد دراسة العروض مرة أخرى تمَّ التعاقد لإنشاء السد مع شركة (المانية – ايطالية) باسم (جيمود) وباشرت إنشاء المشروع في 1981 في حين كان الإنجاز الفعلي والتشغيلي للسد في 1986. ويعد أكبر سد في العراق ورابع أكبر سد في الشرق الأوسط، وافتتح عام 1986، ونتيجة الأحداث السياسية، التي حدثت عام 2014 وسيطرة عصابات داعش الإرهابية على السد قبيل السيطرة على المدينة بستة اشهر هددت مرارا وتكرارا بتفجير السد حال قيام القوات العرقية بالبدء بعمليات التحرير، الأمر الذي حتم على القوات العراقية تحرير سد الموصل أولاً ثم تم تحرير المدينة بالكامل، ولم تتم عمليات التحشية الإسمنتية المعتادة سنوياً خلال سنة الحرب 2014، ومنذ أكثر من 10 سنوات، تتوالى التحذيرات الأمريكية من خطورة سد الموصل واحتمالية انهياره، ونشرت أمريكا تقريراً ناقشت فيه تداعيات كارثية بشرية وبيئية، ممكن أن يخلفها انهيار سد الموصل، في ظل توالي التحذيرات منذ سنوات بشأن وجود تشققات في هيكله قد تؤدي إلى انهياره، إذ طلبت السفارة الأميركية في بغداد عام 2016 من مواطنيها الاستعداد لمغادرة العراق في حال وقوع ما وصفته بكارثة انهيار السد. وطالبت القاطنين على جانبي النهر إخلاء أماكنهم على طول مجرى النهر، ومن وجهة نظرنا أن هناك مبالغة أمريكية وتهويلا بحجم التدفق المائي، خصوصا أن السنوات بعد عام 2014 كانت جافة وهناك عجز مائي في العراق وأصبحت مشكلة شح المياه تؤرق الحكومة العراقية، فالأمريكان كانوا على علم ودراية بالتقارير والمرتسمات منذ خمسينيات القرن الماضي، لكن تمت المبالغة كجزء من حملة ممنهجة إعلامياً لغايات معينة، لذلك يجب نفيه وتوضيح للرأي العام بأن وضع السد مستقر ومطمئن ولا صحة للتقارير، التي انتشرت وتحدثت عن احتمال انهياره.