بغداد: غيداء البياتي
لا يخفي أحمد السجاد (19) عاماً عن أهله وأقربائه معاناته خلال فترة الامتحانات لمرحلة السادس الإعدادي، لكنه تمكن من أن يجتاز هذه الفترة من خلال تحول معاناته إلى حلم على ما يقول ويضيف: «يمكننا تخيل المعاناة وكأنها كابوس، بمجرد الاستيقاظ أو النهوض للحياة، لا نجد شيئاً منه، هذا ما حصل لي خلال فترة الامتحانات، مبيناً: دائماً كنت أقول مع نفسي إنها مجرد حلم، وسأصحو منه منتصراً ناجحاً، فحولت معاناة الدراسة والسهر والقلق إلى نجاح وبالفعل تخرجت ودخلت الجامعة التي كنت أرغب بها».
السجاد أكد لصفحة «أسرة ومجتمع» أنه لا يوجد في هذا العالم معاناة، غير أن الناس ينامون ويحلمون بكل أنواعها، ولو كانوا قد حاولوا تحويل الألم إلى أمل، لاستطاعوا الانسلاخ من معاناتهم وأصبحوا أشخاصاً ناجحين».
نعمةُ الأمل والشجاعة
خلال فترة الحرب مع «داعش» الإرهابي، صادفت أم رهام (51)عاماً من الموصل أحداثاً حزينة ومزعجة، تسببت لها ولأسرتها بضيق وتوتر شديدين، ما جعل المشكلات تتراكم وضغوطات الحياة تزداد بين أفراد أسرتها، حتى أنها سلبت من الجميع الطاقة فهي تقول:»للحظة شعرت وكأن الكون يتآمر علينا ليبقينا في حالة من الحزن والمعاناة، لكن فضل الله كان كبيراً علينا، إذ منّ علينا بنعم الأمل والشجاعة والصبر، حيث جمعت شمل الأسرة، وأعطيتهم القوة في مواجهة أصعب الظروف، وأخذت أعطيهم من حكم الأنبياء، وكيف انتصروا بصبرهم على البلاء وأكرمهم الله بالفتح المبين، وبالأمل والإصرار على الحياة، تمكن الجميع من تحويل المعاناة إلى انتصار حقيقي للواقع المرير». وتضيف مسترسلة بحديثها:»ابنتي كانت تحول خوفها إلى لوحات فنية، جسدت فيها واقعاً مريراً، ورسمت بالألوان مستقبلاً زاهراً، وشاركت بأعمالها في العديد من المعارض حتى أصبح ما ترسمه مصدر رزقها، أما الابن الأصغر فتعلم تصليح الأجهزة الكهربائية من خلال لقائه المستمر بأبيه في المنزل، واجتاز المحنة بفتح محل له بتلك المهنة بعد النصر والتخلص من الظلاميين، لذلك أقول: إن أهم عامل لتحويل المعاناة إلى نجاح هو الأمل، وبعده الإصرار على ديمومة الحياة».
اكتشاف المعاناة
الأستاذ في علم الاجتماع، بجامعة بغداد د. طالب مهدي بين:» أن كل ألم يعاني منه الإنسان يحمل في طياته رسالة معينة عليه اكتشافها، وإذا تم ذلك تمكن من تحويل المعاناة إلى نجاح، وإن كل ما نراه سلبياً، لا بد من أنه يحمل في طياته إيجابية، فعندما يجد الفرد نفسه في موقف صعب وعليه مواجهة قدر لا يمكن تغييره، تكون لديه الفرصة لتحقيق المعنى الأعمق وهو تقبل المعاناة وتحويلها إلى نجاحات، وهذا منطقي لكل إنسان صحيح النفسية، كون الشخص الطبيعي محباً للحياة وديمومتها، وإذا قبل تحدي المعاناة بشجاعة كان لحياته معنى جميل، ظل محتفظاً به حتى النهاية.
وأكد د. مهدي ضرورة وجود الشجاعة داخل كل شخص يرغب بتحول آلامه ومعاناته إلى نجاح في الحياة، وإذا تواجد الأمل مع الشجاعة حقق الإنسان النجاح وانتصر على معاناة الحياة».
قصةُ نجاح
د. طالب ذكر خلال حديثه عن تحويل المصاعب إلى نجاح، قصة الطبيب النفسي النمساوي «فيكتور فرانكل» التي ذكرها في كتابه الشهير «الإنسان يبحث عن المعنى» وبيّن تجربته التي جعلت منه إنساناً ناجحاً بعد أن كان سجيناً في معسكرات الاعتقال النازية، وكيف قادته معاناته إلى اكتشاف المعنى في كل أشكال الوجود، حتى في الأشد قسوة وبالتالي جعلته المعاناة يكتشف دافعاً للاستمرار في الحياة واستطاع بالرغم من كل ما رآه من مصاعب أن يصبح شخصية أساسية في مجال العلاج النفسي الوجودي، كما أصبح مصدر إلهام كبيراً ومرجعاً للعديد من علماء النفس الإنسانية. وأخيراً قال د. مهدي:»ما أحوجنا اليوم إلى منظور إيجابي يساعدنا في التعامل مع مشكلات الحياة، وإيجاد الحلول التي تنمي بدواخلنا القدرة على مواجهة الصعوبات للوصول إلى الرضا الذاتي بعد النجاح».