عبدالزهرة محمد الهنداوي
تشهد فعاليات الاتصالات في العالم تطوراً هائلاً، ربما يُحسب بالدقائق والساعات، لذلك تجدنا في كلِّ يوم أمام اكتشاف جديد يغيّر كثيراً من مسارات حياتنا، وفي العالم هناك الكثير من الشركات العملاقة، التي أصبحت تمثل إمبراطوريات مالية هائلة، تتنافس في ما بينها لفرض نفوذها والهيمنة على أكبر مساحة من الواقع، سواء كان افتراضياً أو حقيقياً مادياً ملموساً.
ونحن في العراق، وعلى الرغم من وجود خطوات ومحاولات للحاق بركب العالم في مجال الاتصالات، إلّا أننا ما زلنا متأخرين كثيراً، خصوصاً في مجال نوعية الخدمات المقدّمة للناس، أو أكلاف تلك الخدمات، نعم، نحن لا نُنكر أنَّ هناك نحو (41) مليون عراقي لديهم خطوط للهاتف النقّال، وسوى ذلك من المؤشرات التي ترتبط بخدمة الإنترنت، إلّا أنَّ التنافس بين الشركات الخاصة بخدمات الاتصالات يكاد يكون محدوداً، وليس ثمة ما يميّز هذه الشركة أو تلك عن منافسيها الآخرين، من حيث نوعية وسعر الخدمة، لكي تستطيع فعلاً جذب أكبر عدد من المشتركين على حساب مساحة المنافس الآخر، أضف إلى ذلك وجود محاولات حكومية، للدخول كمنافس جديد في هذه الساحة، ومعنى أن تدخل الحكومة في سباق المنافسة، زرع المخاوف لدى شركات القطاع الخاص، على اعتبار أنَّ الشركات الحكومية تتوافر على إمكانات تستطيع من خلالها التأثير في القطاع الخاص، ودفعه بعيداً إلى خارج ساحة المنافسة، في وقت تشير فيه التجارب القريبة إلى أنَّ خدمات القطاع العام بنحو عام، تعاني الضعف وانخفاض جودتها، لأسباب معروفة لسنا بصدد الخوض فيها.
في ظلِّ هذا المشهد ومع ما يشهده العالم من تطور بسرعة البرق، فإنَّ قطاع الاتصالات في العراق، ما زال يواجه تحديات، ينبغي الوقوف عندها والبحث عن حلول ومعالجات لها، عبر تشخيصها أولاً، ومن ثمّ الذهاب باتجاه وضع أهداف مستقبلية بمسارات واضحة، يمكن الوصول إليها، ضمن سقوف زمنية محدّدة، فمن بين التحديات الشاخصة، لا يخفى ذلك التقاطع في الأدوار بين الجهات ذات العلاقة بإدارة ملف الاتصالات، وهذا يعني وجود أكثر من جهة تدير هذا النشاط الاقتصادي ذا الأهمية التنموية الكبيرة، ومن شأن هذا التقاطع أن يؤدي بالضرورة إلى الضبابية وعدم وضوح سياسة العمل، وبالتالي تشكيل حالة من الارتباك بين الشركات العاملة في مجال الاتصالات، وقد يكون هذا التقاطع سبباً في وجود الكثير من حالات التجاوز على مشاريع الاتصالات، وتعرضها للتخريب من قبل بعض المتضررين، فضلاً عن التأخر في إكمال البنى التحتية، وضعف جودة الخدمة المقدّمة وارتفاع كلفتها.
وعندما نتحدث عن واقع قطاع الاتصالات فإنَّ الحديث لا يقتصر على شركات وخدمات الهاتف النقال، وإن كان يمثل الوجه الأبرز لهذا النشاط، إنما الحديث ينسحب إلى شبكة الكوابل الضوئية والبريد والخدمات الهاتفية الأرضية، التي غابت عن المشهد، وغيرها من الأنشطة والفعاليات المختلفة، لذلك وفي ضوء الحديث عن الآفاق المستقبلية لنشاط الاتصالات، فإنَّ عملية تطوير هذا القطاع تستدعي العمل على حوكمة هذا النشاط بجميع فعالياته، مع السعي الجاد لتحسين كفاءة الأداء، وضمان وتأمين وصول الخدمة بجودة عالية إلى الجميع، وفسح المزيد من المساحة للقطاع الخاص للدخول إلى الساحة، فكلما ارتفعت حدة المنافسة كان ذلك سبيلاً نحو حصول المواطن على خدمات بمستوى أفضل.
ومن المؤكد أنَّ وضع مثل هذه الأهداف من شأنه أن يؤدي إلى تحقيق تطور كبير في قطاع الاتصالات وبالتالي زيادة مساهمته في تشكيل الناتج المحلي الإجمالي، في ضوء التوجه نحو التنوع الاقتصادي، وتقليل الاعتماد على النفط عبر تنشيط وتفعيل الأنشطة الاقتصادية غير النفطية، ونشاط الاتصالات يعد أحد أهمّ هذه الأنشطة الفعّالة في دعم الاقتصاد الوطني.