د. بشار عليوي
إهتم المسرح العربي بتجسيد القضايا والموضوعات التي تكون محط اهتمام جميع أفراد المُجتمع ، وبالتالي فإن المسرح معني بأن يكون مرآة لهذا المجتمع عبرَ تداول تلك القضايا والموضوعات ومُناقشة مُسبباتها ونتائجها من خلال خطابهِ الفكري المُراد إيصالهُ الى المُتلقي ، ومن أبرز القضايا والموضوعات التي إهتم المسرح العربي المعاصر بتجسيدها وتعريتها فكرياً ، ظاهرة إرهاب داعش في العراق .
فتناول المسرح العربي لهذه الظاهرة عبرَ الكشف عن آثار جرائم الإرهاب الداعشي والتصدي لها فكرياً وتعبئة الناس تجاه مخاطر هذهِ الظاهرة من خلال التثقيف ضدها وتعرية أهدافها وأفكارها الظلامية فضلاً عن الترويج لقيم التسامح والسلام والوئام بين كُل البشر ونشر التنوير ، بسبب ما عانتهُ الدول العربية ومازالت من الإرهاب بشكل عام وجرائمهِ بفعل عوامل داخلية وخارجية تداخلت فيما بينها لتجعل من الإرهاب واقعاً ضاغطاً على مفاصل الحياة اليومية للمُجتمعات العربية التي باتت تُعاني من انعكاساتهِ النفسية والاجتماعية والاقتصادية ، لذا فإن هذا الواقع حفز مُختلف فئات المُجتمع ومنها المسرحيون للتحرك سريعاً باتجاه التصدي لهُ والتثقيف ضده ، فالمسرح العربي قد اهتم بتناول فكر معتنقي الإرهاب وتجسيد الفكر الإرهابي الذي يحمله الإرهابيون والهادف الى تقويض كيان الدولة والمجتمع ككُل وظهر ذلكَ جلياً في المسرحيات التي تناولت الإرهاب ومنها نص (ثورة الزنج ) للفلسطيني معين بسيسو و(الجنزير) للمصري محمد سلماوي و(نون) اخراج العراقي كاظم النصار ... وغيرها ، اذ يقول عواد علي في كتابهِ «الحضور المرئي _ المسرح من التحريم الى مابعد الحداثة « الهم ازدياد وتيرة التطرف الديني ونزوعه الى استخدام القوة والعنف والإرهاب في العديد من الدول العربية وعودة الغزاة الى المنطقة من جديد ، العديد من الكُتاب والمخرجين المسرحيين العرب في انتاج تجارب مسرحية تغوص في بواطنها وتضيء زواياها المعتمة وتكشف عن جذورها ودلالاتها وتأثيراتها السياسية والاجتماعية
والنفسية .
ففي تونس يُمكن تلمس ما شهدهُ هذا المسرح من تقديم لأبرز عروض المسرح العربي ، فضلاً عن كتابة أبرز نصوصهِ التي تُدين جرائم الإرهاب وتُعري سلوكيات مُنفذيها وتكشف أهدافهم ومنها (خمسون) للفاضل الجعايبي والتي تؤرخ لخمسين عاماً من استقلال تونس وتتناول المسرحية ظاهرة الإرهاب والعوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية التي تدفع الشباب إلى حضن الحركات الأصولية فضلاً عن طُرق معالجة زحف الفكر الإرهابي... وغيرها ، وفي هذا الصدد يُطالعنا نص مسرحية «الروهة « للناقد والكاتب التونسي د. عبد الحليم المسعودي والصادر حديثاً عن دار مسكيلياني التونسية للنشر والتوزيع ، بفضل ما تميزَ بهِ هذا النص حينما استشعر كاتبه وعلى البُعد ما جرى من ويلات ومآسي وجرائم في ظل احتلال داعش الإرهابي لمساحات واسعة من العراق ، بحرفية كتابية عالية أسعفتهُ أدواتهِ الكتابية واطلاعهِ النهم على مُجمل مُقتربات الحالة العراقية في ظل داعش ، برغمَ عدم زيارتهِ للعراق في أي وقت ، فإستشعار المؤلف التونسي «المسعودي» فكرياً وجمالياً عبرَ كتابة نصهِ ، جاءَ بسبب ما تَعرضَ لهُ العراق من هجمةٍ تنظيم (داعش) الإرهابي الذي كان أكبر خطر في تاريخ العراق الحديث حينما أصبح يُهدد وجودهِ كدولة وشعب ونسيج إجتماعي ، فكانَ هذا النص بفصولهِ الثمان عبارةً عن موقف فكري تنويري مُناهض لجرائم إرهاب داعش ، ولعلَّ ما يُميزهُ أيضاً إعتماد كاتبهِ على العديد من المقالات الإخبارية والاستقصائية فيما يتعلق بالأحداث الخاصة بظهور تنظيم داعش الإرهابي منها كتاب «كنتُ في الرقة» للتونسي الهادي يحمد ، وكتاب «شارع الرشيد،عين المدينة وناظم النّصّ» للناقد العراقي ياسين النصير . إستثمر المؤلف تمظهرات الواقع العراقي بكُل أنساقهِ السيسيولوجية بدءاً من عنونة النص (الروهة) المأخوذة من معنى الروح الشريرة في الديانة الصابئية وتعني مكان الهُوّة المُظلمة التي لا قرار لها في الصحراء ويُقابلها في المحكية العراقية (الخسفة) ، واضعاً في هذهِ الهوة المُظلمة شخصيات النص «أمير يونس» الشباب الثلاثيني و «كُجة مُجة» الخمسيني القصير القامة و»عبد الحي الترميذة» العجوز و»شاه بانوأناهيد» الشابة الكُردية و»لحاظ» طيف العروس و»صالحة التومي» الشابة العشرينية ، وباقي الشخوص ، فرمزية المكان تُشير بكُل وضوح الى واحدةْ من أبرز جرائم الإرهاب الداعشي المُتمثلة برمي ضحاياهُ في أماكن
سحيقة مُظلمة.
النص برمتهِ إدانة واضحة لجميع تلكَ الجرائم البشعة التي حصلت في العراق وبقلم مسرحي عربي إنتهجَ الموضوعية ومُتمظهراً في شكلَ صوت إحتجاجي عالٍ وهذهِ دعوة للمسرحيين العراقيين لتناولهِ إخراجياً في قابل الأيام .