حسين الصدر
- 1 -
للشعراء الكبار قدراتُهم المتميزة في صناعة الشعر حتى أن بعضهم يأتي به قابلاً لوجهين ..
فاذا قُرأ طَرداً كان مدحاً ، وإنْ قُرأ عكساً كان ذمّاً ، وهذا شيء مدهش
اسمع ما قاله ابراهيم العاملي الكفعمي ( ت 900 هـ)
شكروا وما نكثت لهم ذممٌ
ستروا وما هتكت لهم حرمُ
صبروا وما كلّت لهم قِممٌ
نصروا وما وهنت لهم هِممُ
{ الطليعة للشيخ السماوي ج1 / 84 }
- 2 -
وهذا ( احمد بن ابراهيم الضبي ت 397 هـ )
يُحذر من الفراق ببيتين جميلين يقول فيهما :
لا تركنن الى الفراقِ
فانّه مرُّ المذاقِ
والشمسُ عند غروبها
تصفرّ من ألم الفراقِ
أرايتَ كيف جعل غروب الشمس فراقاً ؟
واصفرارها من ألم الفراق ، في منحىً شعريٍّ بالغ الدلالة على البراعة .
وعن الفراق ايضا قال أسامة بن مرشد :
شكا ألَمَ الفراق الناس قبلي
ورُوّعَ بالنوى حيُّ وميتُ
وأمّا مثلَ ما ضمّتْ ضلوعي
فاني ما سمعتُ وما رأيتُ
- 3 -
ومن روائع احمد بن يوسف السليكي المنازي (ت 437 هـ) في وصف (وادٍ) نزله :
وقانا لفخةَ الرمضاء وادٍ
سقاهُ مضاعفُ الغيث العميمِ
نزلنا رَوْضَهُ فحنا علينا
حنّوَ المُرضعاتِ على الفطيمِ
وأَرْشَفَنا على ظمأٍ مراراً
ألذّ من المدامة للنديمِ
يُراعي الشمسَ أنّى قابلَتْنا
فيحجبُها ويُؤذنُ للنسيم
انه يدعو ( للوادي ) وكأنَّ الوادي رجلٌ مضياف..!!
ثم انه جعل (الوادي) بمنزلة المرضعة التي تحنو على الطفل المظلوم..!!
وهي صورة في غاية اللطف في ايحاءاتها ...
وجعل ( الوادي) الذي حماه من لذعة الشعاع المكثّف ، بطلاً يذود عنه حرارة الشمس ويسمح فقط للنسيم العذب ان
يصل اليه .
وهكذا أسبغ على الوادي من الصفات ما جعلك تتعشقُهوتتمنى أن تراه ..
ويكفيك انّ المعري حين سمع الأبيات قال له :
أنت أشعر من في الشام
وفيات الأعيان / ج1 / 143 -144
- 4 -
وقال الشيخ جعفر الجنابي المالكي ( ت 1290 هـ) حفيد الامام الشيخ جعفر صاحب كتاب ( كشف الغطاء) وهو يقارن بين نفسه وبين علم الأعلام الشيخ ابراهيم بن صادق :
انّ ابن يحيى وإنْ طالَ الورى
شرفاً
ونالَ ما نالَ مِنْ فضلٍ ومن أدبٍ
اذا يُقايَسُ بي يوماً تلوتُ له
وفي الحُميّة معنىً ليس في العنب
فقد جعل نفسه بمثابة الخمر ..!!
الذي لا يُقاس بالعنب وان كان العنب أصلاً له ..
جاء في المنجد :
( الحُوم : الخمر التي تدور في الراس) ص 164
- 5 -
وقال جعفر بن محمد المعروف بابن نما الحلي – وهو من كبار علماء الحلة ت 680 هـ تقريبا
يودُ أناسٌ هَدْمَ ما شيّد العُلى
وهيهاتَ للمعروف أنْ يتهدما
يرومُ حسودي نيلَ شأوي سفاهةً
وهل يقدر الانسانُ يرقى الى السما؟
لقد جَعَلَ أمجادَه من قبيل المعروف الذي لا تناله يد الهدم على الاطلاق، وجعل حسوده بمثابة (الارض) وهو في علوه كالسماء ، واين الارض من السماء ؟
- 6 -
وقال الحسين بن شهاب الدين العاملي الكركي ت 1076 هـ :
جودي بوصلٍ أو بِبَيْنِ
فاليأسُ إحدى الراحتينِ
أَيحِلُ في شرع الهوى
انْ تذهبي بدم الحسينِ
هذا هو السهل الممتنع الذي يقطر رقةً وعذوبة
وانظر الى التوظيف الفني لاسمه فهو يتساءل :
أيحلٌ دم الحسين ؟
فكأنَّ البيْن هو القتل الذي يُجري الدم..،
ومن الذي يجرؤ على القول بان دم الحسين مباح ؟!!
البيْن : هو الفراق
ويطول بنا الحديث اذا اردنا استعراض المزيد من الشواهد .