السياسة الضريبيَّة السليمة

اقتصادية 2024/09/09
...


ياسر المتولي



يُجمع أغلب خبراء الاقتصاد حول العالم على أنَّ السياسة الضريبيَّة السليمة تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعيَّة ولا تعدّ مصدراً لسدِّ عجز الموازنة وتنصرف أحياناً إلى مكافحة نشاطات الإنفاق المسبّبة للتضخّم.


ويذهب هؤلاء الخبراء إلى ما إذا كان الهدف من السياسة الضريبية يقتصر على محاولة سدّ العجز في الموازنة العامة فإنَّ ذلك مؤشر على ضعف الإدارة الاقتصادية وضياع الغايات الاجتماعية في عدالة التوزيع وتحقيق المساواة الاجتماعية وبناء أسس الاستقرار الاقتصادي.

ومن المعروف أنَّ إيرادات الضرائب في الدول غير النفطية تشكّل النسبة الأكبر في إيرادات موازناتها شريطة أن تراعي الجوانب الاجتماعية عبر سياسة السيطرة على الأسعار للمنتجات كافة وتنصرف إلى دعم الأسعار للسلع الحياتية الضرورية التي تلامس شريحة الدخول المنخفضة. إضافة إلى مراعاة ألّا تؤثر الضريبة في القدرة الشرائية للمواطنين وخصوصاً الطبقات الهشة منهم.

ولتوضيح هذه النظرية نذهب إلى مثال بسيط ينسحب على أغلب السلع المشابهة! 

فمثلاً إذا قررت الدولة رفع نسبة الضرائب على كارت الشحن الموبايل أو الإنترنت فيجب إلزام المعنيين بعدم عكس هذه الزيادة على المستهلك وأن تتحملها الشركات المنتجة للخدمة بشكل ضرائب مقابلة تذهب منفعتها إلى برامج الرعاية الاجتماعية ومكافحة الفقر.

وبذلك تتمكن الدولة من المحافظة على القوة الشرائية للمواطن من التآكل من خلال حماية الدخول الضعيفة بالدعم السلعي أو الإعفاءات الضريبية.

لذا فإنَّ السياسة الضريبية ما لم تحمل أهدافاً اجتماعية تتلخص بحماية الطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل، فإنها ستقود بلا شك إلى تداعيات على السوق وارتفاعات في أسعار السلع الأساسية الغذائية والدوائية، فتؤثر حتماً في معيشة تلك الطبقات الهشة والمحدودة الدخل أكثر من غيرها من دون شك.

لذلك فإنَّ السياسة الضريبية السليمة تتطلب دراسة دقيقة لواقع مرونة الطلب السعرية على السلع والخدمات ووضع آلية متوازنة عند فرضها مع إمكانية السيطرة على الأسعار الأساسية وهو غاية من غايات السياسة المالية ترافق عادة بلوغ أهداف التنمية الاقتصادية المستدامة.

ولعلّ السياسة الضريبية السليمة تكون في تنظيم الاستثمار العقاري أو الاستثمارات الأجنبية وغيرهما على وجه الخصوص من خلال منح الإعفاءات الضريبية أو إقرارها لهذا النشاط التنموي، وتلك الإعفاءات لابد لها من أن تحمل انعكاسات إيجابية على المنتج الاستثماري وبشكل ينسجم وتحقيق الأهداف الاجتماعية وليس اتخاذ فرصة الإعفاء الضريبي ذريعة لتعظيم الربح وتراكمه على حساب المصلحة العامة من خلال احتكار الفرص الاستثمارية. 

وبهذا يؤكد الخبراء أنَّ الضرائب ليست وسيلة لسدّ العجز وإنما لتحسين وإنعاش الوضع المعاشي وإعادة توزيع الدخل بشكل منصف وعادل.

يأتي مقالي هذا مع موجة الدعوات إلى تحقيق الإصلاح الضريبي وآمل أن تؤخذ هذه الإشارات بعين الاعتبار كرسالة إلى المعنيين بورقة الإصلاح لتكون إصلاحاتنا بنّاءة وتنسجم مع توجهات البرنامج الحكومي وأهدافه في تحقيق الرفاهية في نطاق تنمية حقيقية مدروسة.