إيتيان دينيه رسّام بوسعادة

ثقافة 2024/09/11
...


سميرة بندريس


ترجمة: مظفر لامي







في هذا الحوار، نعود مع فرانسوا بويون، العالم في أصل الأعراق، والمتخصّص في العالم العربي، إلى النشأة والظروف التي وُلد فيها كتابه (إيتيان دينيت، رسام يعتنق الإسلام. الجزائر والتراث الاستعماري)، هذا العمل البحثي الذي وثق بإسهاب سيرة الرسام الفرنسي المثير للجدل إيتيان دينيه أو نصر الدين دينيه، الذي أصبح بفعل متطلبات تلك الحقبة (أستاذ الرسم الجزائري)



*لماذا اخترت هذا العنوان؟ 

تشير كلمة (الإسلام) في العنوان إلى الحضارة الإسلامية وإلى المناطق التي تفرض فيها الشريعة الإسلامية، وكان الغرض منها الإشارة إلى أنَّ دينيه أراد الاندماج في العالم والمجتمع الإسلاميين. وأنا أقوم بتحليل الأسباب التي دفعته لهذا التوجه، رغم أنه لم يكن تحديدًا مهيأ لذلك بسبب اختلاف أصوله. وكيف أصرّ في ذروة الفترة الاستعمارية 1930على أن يدفن في القرية التي عاش فيها بوسعادة. ومن خلال ملف معين، أردت معرفة كيف ورثت فرنسا هذا الإرث الثقافي في حينها، ثم استعادته الجزائر بعد استقلالها، ولم يعد إليها حتى الآن.


*متى وما الدافع وراء عملك البحثي الأول عن دينيه، وما سبب إصدار عمل ثان اليوم؟

في ثمانينيات القرن الماضي كنت مهتمًا جدًا بما يقدم عن المجتمعات الإسلامية في كتب التاريخ والدراسات التي تتناول المظاهر الثقافية. وكذلك في الرسم والتصوير الفوتوغرافي وأدب الرحلات وغيرها. ومن خلال ذلك، تولدت لدي تساؤلات عن حالة دينيه؛ كيف تحول رسام من الحقبة الاستعمارية إلى رسام وطني ونموذج فني يحتذى به في الجزائر؟ ومجيئي إلى هذا البلد كان للاستفسار من الأوساط الثقافية من رسامين ومدراء متاحف وهواة للفن، رصدوا أو انتقدوا هذا التحول. كذلك أردت زيارة الأماكن التي اتخذ فيها هذا القرار الذي مر عليه في حينها أكثر من ثلاثين عامًا، وكان العديد من الذين عاصروه مازالوا على قيد الحياة. وبشأن عودتي للبحث مرة أخرى، وجدت بعض القراء ذوي الاطلاع ينظرون لدراستي على أنها باقية في حدود زمنها، وأنا أيضًا أرى أنَّ هذا النص أصبح قديماً جدًا. 


*بحسب رأيك، كيف كان دينيه ينظر لاستعمار فرنسا للجزائر؟

كان دينيه ينتقد الاستعمار بشدة في بعض الأحيان دون الحاجة للفت الانتباه. لكنه كان ابن زمنه. وثمة أشياء لا نفهمها دائمًا رغم أنها منطقية تمامًا؛ فانتقاده في ذلك الوقت لا يعني بالضرورة أنه كان مناهضًا للاستعمار. كانت المستعمرة تشهد حرية في التعبير عن الرأي، لكننا لم نتخيل الثورات القادمة، وكان القصد من النقد حينها تصحيح الأخطاء والمظالم، وفي الأساس إصلاح المستعمرة؛ وليس بالضرورة القضاء عليها، بل على العكس من ذلك، كانت الغاية ضمان استمرارها.


*ما سبب رغبة الدولة الجزائرية المستقلة بإطلاق لقب أستاذ الرسم الجزائري على دينيه؟

سأتخطى تفاصيل الجدل الذي دار حينها لأنه لم يكن بذلك القدر الكافي من الوضوح. ولوضع الأمور في نصابها، أود القول إنَّ إطلاق هذا اللقب كان وسيلة اعتمدها القادة السياسيون لفرض نوع من التعبير الفني الذي يتمسك بشكل صارم بالموروث. وثمة سبب آخر يتعلق بالقطيعة التامة بين الأوساط الفنية والسياسيين. فأغلب الفنانين الجزائريين في حقبة الاستقلال كانوا قد تلقوا تعليمهم في فرنسا ما بعد الحرب، وكانوا معتادين على أساليب الحداثة التي كانت تثير بعض المخاوف. الأمر الذي قوبل من قبل السلطة بدعوة وتشجيع للأعمال الأكثر تقليديةً وخضوعًا لنهج التلقين. وهو توجه يماثل إلى حد ما (الواقعية الاشتراكية) التي دعت إليها الديمقراطيات الشعبية. وبسبب الموروث الثقافي وغياب النخب في الحرب، حدث تراجع في جهود تغيير الثقافة السائدة، وظلت الذائقة التقليدية هي المهيمنة في الحقبة الاستعمارية. 


*هل كان لحقيقة اعتناق دينيه الدين الإسلامي تأثير في هذا التقييم؟ 

من الواضح أنَّ هذا الأمر كان له تأثير مهم في إضفاء الطابع الشرعي، فحدث كهذا كان نادرًا جدًا في ذلك الوقت. لكنْ ثمة جانب آخر في دينيه كان موضع تقدير عند وزير الثقافة الذي كان ابناً بالتبني لشيخ إصلاحي كبير مقرب من الشيخ بن باديس. وهو التزامه بإسلام مجرد من التقاليد الشعبية والممارسات (المرابطية).


*هل يمكن لنا فعلًا أن نصنف إيتيان دينيه ضمن الرسامين المستشرقين؟

أنوه أولًا بأننا لن نبقى في نقاش لانهاية له حول أطروحات إدوارد سعيد الذي وضع في كتابه عن الاستشراق تصوراً ساخراً لعموم هذه الحركة، رغم السعة والتنوع الذي كانت عليه. وبالنسبة لدينيه، نعم نستطيع دون أدنى تردد أن نصنفه ضمن الرسامين المستشرقين، نظرًا لسعيه الواضح لتصوير مظاهر حياة مجتمع ذي طابع شرقي في داخل الجزائر، كان يوشك على الاختفاء. لقد كان مستشرقًا بطريقته الخاصة، كما هو حال معظم المستشرقين. وأود أن أحيلك إلى قاموس كبير عن المستشرقين الناطقين بالفرنسية قمت بتحريره ونشره في عام 2008.


*هل ما تزال هناك جوانب غير واضحة وتفاصيل غير معلنة عن حياة نصر الدين دينيه؟

معظم المعلومات التي نعرفها عن حياة دينيه موجودة في الكتاب الذي ألّفته أخته جين دينيه عن حياته في عام 1937. وهذا العمل لم يُعَدْ نشره منذ ذلك الحين. وهو يمثل شهادة ذات مصداقية كبيرة، لما يتضمنه من وثائق ومقتطفات من المراسلات. وفي وقتنا الراهن، كودير بنشيكو Benchikou Koudir هو الأكثر اطلاعًا على تفاصيل سيرته الذاتية. وقد ألف دليل raisonné الذي صدر في 1984 ضمن سلسلة الكتب الفنية (المستشرقون). ولديه الآن نسخة موسعة من هذا الدليل، يبحث لها عن ناشر يقدمها بصورة لائقة. أما أنا، فقد حاولت تقييم ما يمكن أن يقال بناءً على الوثائق المنشورة وما اتفقت عليه شهادات من عاصروه. ودون انتظار لأي كشف جديد، عملت على تطوير الآراء المقدمة من مهتمين من الجزائر وفرنسا. لكن حكاية دينيه تبقى فاعلة، والآن لدينا فرص لاطلاع أوسع على الحياة الثقافية في الجزائر وعلاقاتها مع فرنسا، بعد أن أصبح التعبير عن الرأي في هذا البلد متاحًا أكثر مما كان عليه في العهود السابقة.