الأثر السياسي لوسائل التواصل

آراء 2024/09/18
...















 وفاء البوعيسي

يستكشف هذا المقال، الدور التحويلي، الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي، في تشكيل النشاط السياسي في مختلف أنحاء العالم العربي، من خلال دراسة صعود المنصات الرقمية مثل: الـ»فيسبوك وتويتر ويوتيوب»، كما تسلط المقالة الضوء، على الكيفية التي سهّلت بها وسائل التواصل الاجتماعي التعبئة السياسية، والتي عززت الخطاب السياسي، وأثّرت في هياكل الحكم بالمنطقة. ويركز التحليل على الربيع العربي بالذات، باعتباره لحظة محورية، جسدت قوة وسائل التواصل المذكورة، في انتشال التغيير السياسي من مستنقع الركود، مع الأخذ في الاعتبار، العواقب طويلة الأجل على المجتمع المدني، والأنظمة الاستبدادية، والمشاركة
السياسية.
في العقود الأخيرة، أدى انتشار منصات التواصل الاجتماعي، إلى تغيير المشهد السياسي في العالم العربي بشكل كبير. فقد شهدت المنطقة، التي اتسمت تقليديًا بالحريات السياسية المحدودة، ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة، والحكم الاستبدادي، شهدت تحولًا كبيرًا في النشاط السياسي، المدفوع بالشبكات الرقمية، لكونها مساحة رحبة حيث يمكن للأفراد، خاصة جيل الشباب، التعبير عن معارضتهم للسلطة، والمشاركة في النقاش السياسي، وتنظيم العمل الجماعي.

صعود وسائل التواصل الاجتماعي
يمكن إرجاع صعود تلك المنصات في العالم العربي، إلى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكن تأثيرها أصبح واضحًا بشكل خاص، في سياق الربيع العربي، فقد قدمت منصات مثل الـ»فيسبوك وتويتر ويوتيوب» وسائل جديدة للتواصل بجميع اللغات، ما سمح للمواطنين بتجاوز منافذ الإعلام التي تسيطر عليها الدولة، والتواصل مباشرة مع الجماهير المحلية والدولية. وقد مكنت هذه المنصات، من نشر المعلومات بسرعةـ وتنظيم الاحتجاجات، واستدعاء الأصوات المهمشة، ما منحها ثقة وثقلا كبيرين.
على سبيل المثال، لعب الـ»فيسبوك» دورًا حاسمًا، في تنظيم الاحتجاجات في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين. وفي تونس، انتشرت على نطاق واسع، قصة إحراق محمد البوعزيزي لنفسه، احتجاجاً على فساد السلطة، ما أشعل شرارة الاحتجاجات، أدت في نهاية المطاف إلى سقوط نظام زين العابدين بن علي. وعلى نحو مماثل في مصر، حيث حفزت صفحة «كلنا خالد سعيد» بالـ»فيسبوك»، الاحتجاجات ضد وحشية الشرطة، ما ساهم بالإطاحة بالرئيس حسني مبارك.  ومن الطرق الأساسية في التأثير، كانت استراتيجية التعبئة. فقد استخدم الناشطون كل المنصات المتاحة، لتنسيق الاحتجاجات، وتبادل المعلومات اللوجستية، وبناء التضامن بين المجموعات المتنوعة. وقد سمحت الطبيعة اللامركزية لتلك الوسائط، بالانخراط في النشاط الشعبي بسهولة، عبر التعبئة الرقميةـ كما أثبتت فعاليتها في السياقات الديمقراطية والاستبدادية، بوقت كانت السبل الرسمية مقيدة في كثير من
الأحيان.
وعلاوة على ذلك، سمحت تلك المنصات للناشطين السياسيين الشبان، بالتواصل مع الجماهير الدولية، ولفت الانتباه العالمي إلى النضالات المحلية. وقد مارس هذا التضامن العابر للحدود الوطنية في بعض الحالات، ضغوطاً على الأنظمة الاستبدادية، من خلال تضخيم المظالم المحلية على الساحة العالمية. كما لفتت التغطية الدولية للربيع العربي، الانتباه إلى انتهاكات حقوق الإنسان، والقمع السياسي في المنطقة، ما أدى إلى دعوات للإصلاح من المنظمات الدولية والحكومات الأجنبية.

التحديَّات والقيود
بالوقت الذي نجحت فيه وسائط التواصل الاجتماعية، في اجتذاب الأنصار داخليًا وخارجيًا، إلا أنها واجهت تحديات كبيرة. فقد تكيفت الأنظمة الاستبدادية مع صعود المنصات الرقمية، من خلال استخدام تقنيات المراقبة المتطورة، والتكتيكات السيبرانية لمراقبة المعارضة عبر الإنترنت، وفرض الرقابة عليها وقمعها. كما استغلت بعض الحكومات نفس الوسائط لأغراض الدعاية، بنشر المعلومات المضللة لتقويض حركات المعارضة، والحفاظ على السيطرة على الخطاب العام. في حين شهدت بعض البلدان تغيرات سياسية أخرى كبيرة، مثل التحول الديمقراطي في تونس
 لأول مرة،
خاتمة
على الرغم من كل تلك التحديات، إلا لأنه من الممكن القول إن وسائل التواصل الاجتماعي، ساهمت في ظهور مواطنين أكثر انخراطًا ووعيًا سياسيًا، خاصة بين جيل الشباب، لكونهم أكثر مهارة في استخدام التقنيات الرقمية، ما أدى إلى بروز مفهوم المجال العام الرقمي للوجود ولم يكن موجودًا، حيث يمكن للخطاب السياسي أن يزدهر، في غياب المؤسسات الديمقراطية التقليدية. ما يعني توفير منصة للسرديات السياسية البديلة، وزيادة الوعي بقضايا حقوق الإنسان، وتمكين النشاط المستمر، وتمكين الخطاب السياسي، وتحدي الأنظمة الاستبدادية. كما أنها مكنت المواطنين العاديين من تحدي سيطرة الدولة، وإن واجهت عقبات كبيرة في الواقع، بما في ذلك المراقبة والقمع من جانب الدولة. ومع ذلك، فإن الإرث الذي اكتسبه الشارع العربي، من وسائل الإعلام الاجتماعية، وهو زيادة المشاركة السياسية، وخلق مساحات جديدة للمشاركة السياسية في العالم الرقمي. وفي المستقبل القريب ومطلوب بشدة، أن يظل دور وسائل الإعلام الاجتماعية حاسمًا في تشكيل الديناميكيات السياسية في المنطقة، حيث يتواصل صراع المواطنين والأنظمة معًا، على التنقل بين تضاريس السياسة الرقمية.

 كاتبة من ليبيا