«أوكسجين العتمة» تنتجه معادن في قيعان البحار

علوم وتكنلوجيا 2024/09/25
...

 أنابيل تيمسيت

 ترجمة: أنيس الصفار

عثر علماء على أدلة تشير الى أن هناك معادنَ موجودة طبيعياً في قيعان البحار والمحيطات قد تكون قادرة على إنتاج الأوكسجين، وهو اكتشاف من شأنه تغيير قواعد اللعبة وطريقة فهمنا لبدايات نشوء الحياة على كوكب الأرض، كما يعتقد هؤلاء العلماء.اكتشف هؤلاء الباحثون، الذين نشرت دراستهم مؤخراً مجلة «نيتشر جيوساينس»، أن الكتل المكونة من معادن مثل المنغنيز والحديد، التي غالباً ما تستخدم في صناعة البطاريات، قادرة من خلال عملية تمَّ اكتشافها مؤخراً على إنتاج الأوكسجين حتى في ظروف الظلام الحالك.

ويعتقد الباحثون أنَّ النشاط الكهروكيميائي لهذه الكتل التي تطلق عليها تسمية «العقد متعددة المعادن» يمكّنها من استخلاص الأوكسجين من الماء. تكونت الكتل المذكورة عبر ملايين السنين وهي تنمو أحياناً الى أنْ يقارب حجمها حجم درنة البطاطا.

قال «بو باركر يورغنسن» خبير في الكيمياء الحيوية البحرية إنَّ هذا الاكتشاف شيءٌ خارجٌ عن المألوف بالمرة. فالنتائج التي يشير إليها يورغنسن يمكن أنْ تكون لها انعكاساتها على صناعة التعدين في أعماق البحار، وهي صناعة يحاول اللاعبون الفاعلون فيها استحصال إذنٍ باستكشاف أعماق المحيطات واستخراج معادن كتلك التي تتكون منها العقد متعددة المعادن. هذه المعادن تعدُّ ضرورة أساسيَّة في عمليَّة التحول الى الطاقة الخضراء، ويعتقد كثيرٌ من ناشطي البيئة والعلماء أنَّ التعدين في أعماق البحار أمرٌ خطيرٌ لأنَّ من شأنه إقلاق استقرار الأنظمة البيئية بطرق لا يمكن التنبؤ بها، كما يمكن أنْ يحدَّ من قدرة المحيطات على المساعدة في احتواء آثار التغير المناخي.

في العام 2013، عندما سجّل «أندرو سويتمان» رئيس فريق البحث القائم بالدراسة لأول مرة قراءات غير اعتياديَّة للأوكسجين آتية من قاع المحيط الهادئ، اعتقد أنَّ الأجهزة المستخدمة في البحث قد اضطرب عملها.


لا علّة في الأجهزة

يقول سويتمان: «أخبرت طلابي أنْ يعيدوا أجهزة الاستشعار الى صناديقها كي نرسلها الى الشركة المصنّعة لفحصها لأنَّ ما نأخذه منها هراءٌ لا يفهم منه شيء، لكنَّ الشركة كانت تعيدها إلينا في كل مرة مع عبارة تقول إنَّ الأجهزة سليمة ومعيّرة بالشكل الصحيح».

خلال عامي 2021 و2022 عاد سويتمان وفريقه الى منطقة «كلاريون – كليبرتون»، الواقعة تحت الجزء المركزي من المحيط الهادئ والمعروفة بوفرة العقد متعددة المعادن فيها. كانوا واثقين من حسن أداء أجهزة الاستشعار التي معهم هذه المرة، لذا أنزلوا جهازاً الى عمق 4000 متر تحت سطح الماء وراح يزرع صناديق صغيرة بين رواسب القاع. تركت هذه الصناديق في أماكنها لمدة 47 ساعة كي تقوم بالتجارب وتقيس مستويات الأوكسجين التي تستهلكها الأحياء المجهريَّة التي تعيش هناك.

لكنَّ ما حدث هو أنَّ مستويات الأوكسجين سجلت ارتفاعاً بدلاً من الانخفاض، ما يشير الى أنَّ هناك أوكسجيناً ينتج بكميات تفوق ما يستهلك.

عندئذ افترض الباحثون أنَّ النشاط الكهروكيميائي للمعادن المختلفة الداخلة في تكوين العقد متعددة المعادن هو المسؤول عن إنتاج الأوكسجين الذي التقطته وقاسته أجهزة الاستشعار- والأمر كثير الشبه بعمل البطارية حيث تسري الألكترونات من أحد القطبين الى القطب الآخر فتخلق بذلك تياراً كهربائياً، كما يقول «توباياس هاهن»، أحد المشاركين في الدراسة. 

هذه الفرضيَّة ستضيف طبقة جديدة الى فهمنا لكيفيَّة ظهور الكائنات الحيَّة الى الوجود تحت البحر، كما يقول هاهن الذي يركز في عمله بشكلٍ خاصٍ على أجهزة الاستشعار المستخدمة في تجارب الدراسة. يضيف هاهن: «كنَّا نعتقد أنَّ الحياة على الأرض قد ابتدأت بابتداء عمليَّة التمثيل الضوئي، حين ظهر الأوكسجين جراء هذه العملية، في حين أنّه من الممكن في الواقع أنْ تكون عمليَّة شطر الماء كهروكيميائياً الى اوكسجين وهيدروجين هي التي جاءت بالأوكسجين الى المحيطات».

يخلص هاهن الى أنَّ هذا ربما سيكون بمثابة تغييرٍ لقواعد اللعبة التي قامت عليها قصة نشوء الحياة».


التسليم بواقع جديد

وردَ في تقرير إخباري عن الدراسة أنَّ النتائج التي تمَّ التوصل إليها تعدُّ تحدياً للفرضيات التي بقيت معتمدة منذ وقت طويل القائلة بأنَّ الأحياء القادرة على إجراء عمليَّة التمثيل الضوئي، مثل النباتات والطحالب، كانت هي مصدر توليد الأوكسجين على كوكب الأرض. 

لكنْ إذا ما تأكدت هذه النتائج فسوف يترتب علينا إعادة التفكير في كيفيَّة قيامنا بعمليات التعدين تحت الماء لاستخراج مواد مثل الكوبالت والنيكل والنحاس والليثيوم والمنغنيز بحيث لا نستنزف موارد الأوكسجين الضروريَّة للحياة في أعماق البحر، بحسب «فرانز غايغر» أستاذ الكيمياء في جامعة نورثويسترن.

يمضي غايغر موضحاً: «لا نزال نجهل السبب الذي أبقى مثل هذه المناطق الميتة على حالها لعقود من الزمن.» بيد ان حقيقة بقائها تتضمن إشارة مفادها ان استخراج المعادن من قاع البحر في المناطق الغنية بالعقد متعددة المعادن قد يكون شديد الضرر بشكل خاص لأن هذه المناطق فيها ميل لكثرة التنوع النباتي بحدود تفوق حتى ما نراه في أشدّ الغابات المطرية تنوعاً، على حد تعبيره.

ومع ذلك، تبقى هناك أسئلة عديدة، كما يقول هاهن، الذي يمضي مضيفاً: «لا نعلم ما هي الكمية من أوكسجين العتمات التي يمكن إنتاجها بواسطة هذه العملية، ولا كيفية تأثيرها في العقد متعددة المعادن، أو كم هي الكميات المطلوبة من تلك العقد لتمكين إنتاج الأوكسجين».


صحيفة واشنطن بوست الأميركية