نظرية الحكم

الصفحة الاخيرة 2019/06/21
...

حسن العاني 
مع ظهور الدين الجديد في الجزيرة العربية انتهى المفهوم القديم للزعامة القبليّة، الذي يقضي بسلطة العرف التي لها قوة القانون، إنّ الابن الأكبر هو من يتولّى قيادة القبيلة بعد وفاة والده، أي الزعيم، وكان البديل عن أسلوب "الوراثة" القديم، هو اعتماد مبدأ الشورى والبيعة الخاصة ثم العامة بعد وفاة الزعيم الذي اصبح اسمه (الخليفة)، ومن هنا على سبيل المثال لم يتولَّ خلافة المسلمين (محمد) ابن ابي بكر الصديق بعد وفاة والده، بل تولاها عمر بن الخطاب، ويوم توفي ابن الخطاب لم يصبح ابنه عبدالله خليفة من بعده، وحتى عند وفاة الامام علي بن ابي طالب لم يأتِ ابنه الحسن خليفة من بعده عن طريق الوراثة، مع أنّه هو من جاء الى الحكم بعد والده، ولكن بالشورى والبيعة، فبعد حادثة الاغتيال اللئيمة التي تعرّض لها الإمام علي، وادرك المسلمون أنّها النهاية المفجعة لخليفتهم، اجتمعوا من حوله وقالوا له (يا أبا الحسن... فقدناك ولا نفقدك، فهل نبايع الحسن من بعدك) وجاء ردّه تعبيراً دقيقاً عن نظرية الحكم في الاسلام (لا آمركم ولا أنهاكم وأمركم شورى)، وهو ردٌّ بليغ يكشف عن مدى الالتزام بالنظرية.. 
حين انتقلت السلطة الى بني امية، وقامت دولتهم في الشام، تمّ الخروج عن نظرية الحكم الاسلامية، وضربت عرض الحائط، وحلّت محلها نظرية (الوراثة)، وكانت تلك اول طعنة موجعة في ديمقراطية الشورى وما يتبعها من بيعة خاصة لقادة البلاد وكبارات رجالها ثم بيعة عامة تشمل عموم المجتمع الاسلامي.. وعلينا الاقرار بأنّ مبدأ التوريث (الذي استمر مئات السنين طوال حكم بني أمية وبني مروان ثم حكم العباسيين وحتى سقوط بغداد) يعدّ الخلفية التراثية الأهم التي بنى عليها المسلمون عامة والعرب خاصة، قناعاتهم السياسية في الحكم، واستندوا الى قاعدة التوريث التي لم يكن لها جذر اسلامي، وتخلّوا عن أنموذج الخلفاء الراشدين القائم على الشورى والبيعة.. 
الغريب في مشهد الحكم الوراثي، أنّ الزعماء العرب تبنّوه بنسبة تسعة وتسعين بالمئة، بغض النظر عن طبيعة شخصياتهم، وطنية كانت او عميلة، وتقدمية او رجعية، وقلّدوا تراث الحكم الاموي والعباسي بنوعيه، سواء تعلق ببقاء (الرئيس) في السلطة مدى العمر وان امتدّت مدّة حكمه الى مئة سنة، ام تعلق الامر بوريثه، وأمامنا من الامثلة في العصر الحديث الشيء الكثير، فجمال عبد الناصر لو لم يُعاجله الموت ما كان يتخلّى عن الرئاسة، وكان سيوّرثها لابنه خالد، وحافظ الاسد لم يتخلَّ عن الكرسي إلّا بقوة الموت، وأورثها الى ابنه بشّار الى يومنا هذا، وقد تجاوز بقاؤهما في السلطة زمناً تجاوز نصف قرن، ولم يكن الحال أفضل مع البكر وصدام حسين وعبد العزيز بوتفليقه وزين العابدين وعمر البشير، والأغرب ان نظرية الحكم (العربية) امتدت حتى الى المناضلين، ففي فلسطين انشطرت المقاومة الى عشرين فصيلاً حتى ذهبت بهم غواية الزعامة الى القتال فيما بينهم، اما في .... بل هذا يكفي!!