فجر محمد
تصوير: احمد جبارة
لم تكن أم نور من محبي فصل الصيف وحسب، بل هي من المتلهفين له، وتشعر بالسعادة كلما أحست أن فصل الشتاء لملم متعلقاته، وترك المكان لنظيره الصيف، تترجم أم نور فرحتها بابتعاد الأمراض عن ابنتيها الصغيرتين، لكنها هذا العام لم تستقبل فصلها المفضل بالفرحة والبهجة ذاتها، لأنه كان الأشد قسوة وحرارة وفقاً لتعبيرها.
منذ أن فتح الصيف أبوابه قبل أشهر متعددة، ودرجات الحرارة ترتفع يوما بعد آخر بصورة واضحة، ما أثار فضول المختصين والخبراء، ودفعهم الى محاولة إيجاد فهم ورؤية واضحة لما يحصل. وفي تصريح لافت للنظر لمرصد كوبرنيكوس الأوروبي لتغير المناخ، مفاده بأن هذا الصيف كان الأشد سخونة في دول العالم، إذ سجلت الجهات المختصة درجات حرارة مرتفعة جدا، ما أثر في الصحة العامة والمناخ أيضا.
نسبٌ ثابتة
عندما أخرج إلى العمل صباحا، أشعر وكأنني أواجه بركانا من الحرارة، ويزداد حدة كلما مرت ساعة من ساعات النهار، بهذه الكلمات وصفت أم نور فصل الصيف وتابعت: "عندما كنا صغارا لم نشكُ من هكذا درجات حرارة مرتفعة، بل كان هناك اعتدالٌ مناخيٌّ واضحٌ حتى في فصل الصيف".
تبين الدراسات والتقارير أن هناك تسارعًا وزيادةً واضحة في درجات الحرارة، لأسباب عدة، معظمها جراء تدخل الانسان وفرض مجموعة من السلوكيات، ومنها زيادة استهلاك الوقود الاحفوري، عوضا عن استثمار الطاقة البديلة، فضلا عن ذلك الانتشار الواسع لاستخدام أجهزة التكييف، التي بدورها تطلق الغازات الدفيئة، التي تؤثر في الغلاف الجوي وتزيد من حدة درجات الحرارة، ومن الجدير بالذكر ان الغازات الدفيئة، كانت بنسب ثابتة في الغلاف الجوي، حتى ما قبل الثورة الصناعية، ولكنها اخذت بالتزايد بشكل ملحوظ مع اختلاف النشاط البشري، ما أدى الى ظهور التغيرات المناخية وامتداد تأثيرها بشكل كبير.
يطرح الخبراء آليات متعددة للتقليل من درجات الحرارة، ومنها الاهتمام بالتشجير وزراعة النباتات، الذي يعتقد أن من شأنه الاسهام بانخفاض درجات الحرارة. لأن الاشجار ذات دور حيوي ومهم وذلك لتوفيرها الظل، مع التركيز على تقليل الاحتباس الحراري الليلي، وللأشجار دور كبير باعتبارها مصدات لإشعاع الشمس المباشر، وبحسب الدراسات فإنها كلما ازدادت أدت إلى خفض درجات الحرارة. في حين يرى خبراء آخرون أن التشجير لن يكون حلا لما تعانيه الكرة الارضية اليوم، من مشكلات وتغيرات مناخية شديدة، بل يجب أن تكون هناك خطوات واجراءات للتكيف مع التغير المناخي.
موجاتٌ متكرّرة
قد يتبادر إلى الاذهان سؤال هل العراق وحده من يعاني؟ وهل ارتفاع درجات الحرارة هو ضرر محلي فقط؟ يجيب أستاذ الغلاف الجوي في الجامعة المستنصرية الدكتور عقيل غازي مطر، أن العراق يمر في الوقت الراهن بظاهرة اللانينا، التي تقلل من مصادر الرطوبة المدارية، منوها بأن تغير المناخ لم يؤثر في العراق وحسب، بل في دول العالم أجمع، وعلى الرغم من بذل الجهود في إقامة المؤتمرات والندوات العالمية ومحاولة وضع الحلول والمعالجات لخفض الانبعاثات، وفرض الطاقة المتجددة في أسلوب الحياة، لكن التغيرات مستمرة، ومن وجهة نظر مطر، فإنها تحتاج الى طرق ووسائل للتكيف معها.
وتجدر الإشارة إلى أن البلاد مرت بموجات حر متكررة. وبحسب الدراسات فإن طقس العراق ينتج عن تفاعل المناخ في المنطقتين المدارية والقطبية، وأي تغير يطرأ على هاتين المنطقتين سيؤثر في مناخ وطقس البلاد بالتأكيد.
ظواهر عالميَّة
تعصف بين الحين والآخر على جميع دول العالم ظواهر طبيعية، ومنها اللانينا، وهي ظاهرة مناخية تحدث في المحيط الهادئ، وتتمثل في انخفاض درجة حرارة سطح المياه، في المنطقتين المركزية والشرقية من المحيط، وهي عكس ظاهرة النينو المتمثلة بارتفاع درجة حرارة السطح في المنطقة نفسها.
وتشير المصادر إلى أن هذه الظاهرة تسبب تغيرات جوية ومناخية على المناطق المختلفة في جميع أنحاء العالم. وتؤدي إلى هطول الأمطار بنسب كبيرة في بعض المناطق، مثل جنوب شرق آسيا وأفريقيا، في حين تشهد بعض المناطق مثل جنوب البرازيل وأستراليا وأجزاء من آسيا الوسطى والمحيط الهادئ الجنوبي جفافاً وارتفاعا ملحوظا في درجات الحرارة. تحدث اللانينا بشكل غير منتظم، ويتم تحديد شدتها عن طريق قياس درجات حرارة المياه السطحية في منطقة معينة، تقع في وسط وشرق المحيط الهادئ. وعادة ما تستمراللانينا لمدة تصل، اما لبضعة أشهر أو عامين، ثم تعود درجات الحرارة إلى طبيعتها المعهودة.
وتجدر الاشارة إلى أن هناك ربطًا بين ظهور اللانينا وارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق، وفقا لعدد من الخبراء.
اما ظاهرة النينو فهي عبارة عن رياح ساخنة تهب على جنوب المحيط الهادئ، فتُحدث اضطرابا في توازن مستويات الضغط بين شرق وغرب المحيط، وذلك لتأثيرها على حرارة المياه السطحية، ما يؤدي الى حدوث كتل وتيارات مائية ساخنة في المناطق المدارية، التي تقع على خط الاستواء، فتندفع المياه السطحية الدافئة القريبة من الشواطئ إلى جهة الغرب، لتحل محلها تلك العميقة الباردة، ثم يمتد تأثيرها إلى مساحات واسعة من المحيطين الهندي والأطلسي على هيئة أمطار وفيضانات في مناطق معينة، بينما يحدث الجفاف وارتفاع في درجات الحرارة بمناطق أخرى.
التكيُّفُ والتأقلم
إن مشكلة تغير المناخ تمتد إلى أعوام طويلة، وحلها لن يكون أمرا سهلا ولهذا يدعو الدكتور عقيل غازي مطر إلى التكيف والتأقلم مع هذه التغيرات، فعلى سبيل المثال لا بد من وجود إدارة حكيمة للموارد المائية، خصوصا في ظل موجات الجفاف وشح المياه، التي تظهر بين الحين والآخر، وتغطية خزانات المياه للحفاظ على الموجود فيها، واستخدام وسائل في ري النباتات، قادرة على تقنين المياه والحفاظ عليه. فضلا عن مجموعة من الإجراءات الأخرى، التي قد تسهل التعامل مع أزمة تغير المناخ.
تعالت الأصوات مؤخرا بضرورة استبدال الوقود الاحفوري بطاقة نظيفة، من أجل التقليل من حدة التلوث، الذي أخذ يعصف بالبيئة ويؤثر في مختلف مجالاتها، ويرى الاستشاري في جيولوجيا النفط والباحث الدكتور احمد عسكر أن هذا النوع من الطاقة بمقدوره أن يقلل من تلوث البيئة، لانبعاثاته ومخلفاته القليلة بالمقارنة مع نظيره الاحفوري، لكن عسكر يوضح أن هذا النوع من الطاقة بحاجة إلى تطوير أكثر، ليصبح قادرًا على تشغيل الطائرات والباخرات ومختلف الوسائل الاخرى.
إن استهلاك الطاقة البديلة لن يخفف من حدة التلوث، كما يؤكد عسكر لأن الضرر الذي اصاب البيئة يمتد إلى سنوات طويلة، ويحتاج إلى جهد كبير وعالمي، ليس محليا فقط. وتشير الدراسات العلمية إلى أن استهلاك الوقود الاحفوري كان هو أحد أسباب تغير المناخ، ويتكون هذا النوع من الوقود من النفط والفحم والغاز، وهذه المكونات تشكل اكثر من 70 بالمئة لانبعاثات الغازات الدفيئة. ولهذا يشجع الخبراء والباحثون على استهلاك الطاقة البديلة، وتطويرها أكثر من أجل التقليل من هذه الانبعاثات.