الذكاء الاصطناعي يخلقُ مشكلاتٍ جديَّة للبيئة
ترجمة: بهاء سلمان
هناك آمال كبيرة في أن يساعدَ الذكاء الاصطناعي في معالجة بعض أكبر حالات الطوارئ البيئيَّة في العالم. فمن بين أمور أخرى، يجري استخدام التكنولوجيا بالفعل لرسم خرائط التجريف المدمر للتربة ورسم خرائط انبعاثات الميثان، وهو غاز يسهمُ بفاعليَّة في ظاهرة الاحتباس الحراري. ولكن عندما يتعلق الأمر بالبيئة، هناك جانبٌ سلبيٌّ لانفجار الذكاء الاصطناعي والبنية الأساسيَّة المرتبطة به، وفقاً لمجموعة متنامية من الأبحاث؛ إذ تنتج مراكز البيانات المنتشرة، مع احتوائها لخوادم الذكاء الاصطناعي، نفاياتٍ إلكترونيَّة، وهي تعد مستهلكة كبيرة للمياه، والتي أصبحت نادرة في العديد من الأماكن.
وتعتمّد المراكز على المعادن النفيسة والعناصر النادرة، والتي غالباً ما يتم استخراجها بشكلٍ غير مستدام؛ وتستخدم كمياتٍ هائلة من الكهرباء، ما يحفّز انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
«لا يزال هناك الكثير مما لا نعرفه عن التأثير البيئي للذكاء الاصطناعي، لكن بعض البيانات التي لدينا مثيرة للقلق»، كما تقول «غولستان رادوان»، كبيرة مسؤولي الرقمنة في برنامج الأمم المتحدة للبيئة؛ وتضيف: «نحن بحاجة إلى التأكد من أنَّ التأثير الصافي للذكاء الاصطناعي على الكوكب إيجابي قبل نشر التكنولوجيا على نطاقٍ واسع».
فوائد مهمة
لماذا يشعر الناس بالحماس إزاء إمكانات الذكاء الاصطناعي عندما يتعلّق الأمر بالبيئة؟ إنَّ الفائدة الكبرى للذكاء الاصطناعي هي أنه قادرٌ على اكتشاف الأنماط في البيانات، مثل الشذوذ والتشابه، واستخدام المعرفة التاريخيَّة للتنبؤ بدقة بالنتائج المستقبليَّة. وهذا من شأنه أنْ يجعلَ الذكاء الاصطناعي لا يقدر بثمن لمراقبة البيئة، ومساعدة الحكومات والشركات والأفراد على اتّخاذ خيارات أكثر ملاءمة للكوكب. كما يمكنه تعزيز الكفاءات، على سبيل المثال، يستخدم برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذكاء الاصطناعي للكشف عن متى تطلق منشآت النفط والغاز غاز الميثان.
إنَّ مثل هذه التطوّرات تعزز الأمل في أن يساعد الذكاء الاصطناعي العالم على معالجة بعض جوانب الأزمة الكوكبيَّة الثلاثيَّة المتمثّلة في تغيّر المناخ، وفقدان الطبيعة والتنوّع البيولوجي، والتلوّث والنفايات.
إذن كيف يشكل الذكاء الاصطناعي مشكلة للبيئة؟ توجد معظم عمليات نشر الذكاء الاصطناعي على نطاقٍ واسعٍ في مراكز البيانات، بما في ذلك تلك التي تديرها شركات تقديم الخدمات السحابيَّة. ويمكن أنْ تتسبب مراكز البيانات هذه في خسائر فادحة على الكوكب، حيث تعتمد الإلكترونيات التي تحتويها على كميَّة مذهلة من المواد الخام: فصنع كمبيوتر يزن كيلوغرامين يتطلّب 800 كيلوغرام من المواد الخام. كما تحتاج الرقائق الدقيقة التي تعمل على تشغيل الذكاء الاصطناعي إلى عناصر أرضيَّة نادرة، والتي غالباً ما يتم استخراجها بطرقٍ مدمّرة للبيئة، كما تنوّه تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
إفرازات ضارة
المشكلة الثانية هي أنَّ مراكز البيانات تنتج نفايات إلكترونيَّة، والتي غالباً ما تحتوي على موادّ خطرة، مثل الزئبق والرصاص. ثالثاً، تستخدم مراكز البيانات المياه أثناء عمليَّة التشييد، وبمجرد تشغيلها، لتبريد المكوّنات الكهربائيَّة. وعلى مستوى العالم، قد تستهلك البنية التحتيَّة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي قريباً ستة أضعاف المياه التي تستهلكها الدنمارك، وهي دولة يبلغ عدد سكانها 6 ملايين نسمة، وفقاً لبعض التقديرات، وهذه مشكلة حينما يشير الواقع الى افتقار ربع البشريَّة بالفعل وسائل الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي.
أخيراً، ولأجل تشغيل إلكترونياتها المعقدة، تحتاج مراكز البيانات التي تستضيف تقنيَّة الذكاء الاصطناعي إلى الكثير من الطاقة، والتي تأتي في معظم الأماكن من حرق الوقود الأحفوري، ما ينتج عنه غازات دفيئة تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب. وذكرت وكالة الطاقة الدوليَّة أن الطلب المقدم من خلال ChatGPT، وهو مساعد افتراضي قائم على الذكاء الاصطناعي، يستهلك عشرة أضعاف الكهرباء التي يستهلكها موقع بحث غوغل.
وبسبب التوسع الهائل للذكاء الاصطناعي، ارتفع عدد مراكز البيانات إلى 8 ملايين من 500000 في العام 2012، ويتوقع الخبراء أن تستمر متطلبات التكنولوجيا على الكوكب في النمو.
يقول البعض إنه عندما يتعلّق الأمر بالبيئة، فإنَّ الذكاء الاصطناعي يمثل بطاقة جامحة، فما هو السبب؟ لدينا سيطرة لائقة على التأثيرات البيئيَّة لمراكز البيانات، لكنْ من غير الممكن التنبؤ بكيفيَّة تأثير التطبيقات القائمة على الذكاء الاصطناعي في الكوكب، فبعض الخبراء يخشون من حصول عواقب غير مقصودة. على سبيل المثال، قد يتسبب تطوير السيارات ذاتيَّة القيادة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي في دفع المزيد من الناس إلى القيادة بدلاً من ركوب الدراجات أو استخدام وسائل النقل العام، ما يؤدي إلى زيادة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي. ثم هناك ما يسميه الخبراء تأثيرات من الدرجة الأعلى؛ على سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد معلومات مضللة حول تغيّر المناخ، والتقليل من أهميَّة التهديد في نظر العامة.
ضرورة العمل الإيجابي
هل هناك تحرّكٌ بشريٌّ بشأن التأثيرات البيئيَّة للذكاء الاصطناعي؟ لقد تبنّت أكثر من 190 دولة سلسلة من التوصيات غير الملزمة بشأن الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، والتي تشمل البيئة. كما قدم كلٌ من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركيَّة تشريعاتٍ للتخفيف من التأثير البيئي للذكاء الاصطناعي. لكنَّ سياسات مثل هذه قليلة ومتباعدة، كما تقول رادوان. «الحكومات تتسابق لتطوير استراتيجيات وطنيَّة للذكاء الاصطناعي، ولكنها نادراً ما تأخذ البيئة والاستدامة في الاعتبار. إنَّ الافتقار إلى الحواجز البيئيَّة لا يقل خطورة عن الافتقار إلى الضمانات الأخرى المتعلقة بالذكاء الاصطناعي».
كيف يمكن للعالم كبح جماح التداعيات البيئيَّة للذكاء الاصطناعي؟ في مذكرة الإصدار الجديدة، أوصى برنامج الأمم المتحدة للبيئة بخمسة أشياء رئيسيَّة. أولا، يمكن للدول إنشاء إجراءات موحدة لقياس التأثير البيئي للذكاء الاصطناعي؛ في الوقت الحالي، هناك ندرة في المعلومات الموثوقة حول هذا الموضوع. وثانياً، بدعم من برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تستطيع الحكومات وضع لوائح تلزم الشركات بالإفصاح عن العواقب البيئيَّة المباشرة للمنتجات والخدمات القائمة على الذكاء الاصطناعي. وثالثاً، تستطيع شركات التكنولوجيا أنْ تجعل خوارزميات الذكاء الاصطناعي أكثر كفاءة، ما يقلل من الطلب على الطاقة، مع إعادة تدوير المياه وإعادة استخدام المكوّنات حيثما أمكن. ورابعاً، تستطيع البلدان تشجيع الشركات على إضفاء الطابع الأخضر على مراكز البيانات الخاصة بها، بما في ذلك استخدام الطاقة المتجددة وتعويض انبعاثات الكربون. وأخيراً، تستطيع البلدان أنْ تنسج سياساتها المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في لوائحها البيئيَّة الأوسع نطاقاً.
* عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة