حين يكون الموت انتصاراً

آراء 2024/10/21
...

 حمزة مصطفى

بعد شهور من التهديد والوعيد بشأن الثأر لمقتله ردت إيران قبل نحو إسبوعين بمئات الصواريخ على الاحتلال الصهيوني، الأمر الذي جعل المواجهة بين الطرفين مفتوحة على كل الاحتمالات بمن فيها الحرب الشاملة. في هذه الأثناء قتل الكيان زعيم حزب الله حسن نصر الله في الضاحية جنوب لبنان قبل مدة قصيرة من تنفيذ الرد الإيراني لمقتل هنية، ما جعل احتمالية الضربة الإيرانية أكثر احتمالا وقد حصل

منذ انطلاق "طوفان الأقصى" في السابع من إكتوبر (تشرين الأول) 2023 طرح على الفور السؤال، الذي لم تتم عليه الإجابة حتى اليوم، وهو ماذا عن "اليوم التالي"؟ ظل سؤال اليوم التالي مطروحا، بل تزداد فرص طرحه كلما تعقدت الأوضاع أكثر في قطاع غزة على صعيد ما بات يعمله نتنياهو، مجرم الحرب الصهيوني العتيد، من شبه إبادة جماعية في قطاع غزة ومن ثم شمالا باتجاه الجنوب اللبناني. وحيث لا شيء مطروح على المائدة ما يمكن عده فرص سلام فإن ما كان يجري الحديث عنه، والتفاوض حوله بمن في ذلك رحلات إنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي العشر إلى المنطقة هو مجرد هدنة مؤقتة مرة للسماح للأونروا بتقديم كميات من الحليب وما تيسر من غذاء للناس المحاصرين، ومرة لإمكانية تبادل الرهائن تمهيدا للحل الذي بقي افتراضيا في عقول وسلوك الأطراف المشاركة فيه، وحتى البعيدة عنها، لا سيما تلك التي يقفز إلى ذهنها بين الركام ما يسمى بمفهوم حل الدولتين.

طيلة هذا العام جرى اختبار قيادة حماس، حماس الداخل وحماس الخارج. حماس الصقور "يحيى السنوار، محمد الضيف" وحماس الحمائم (إسماعيل هنية، خالد مشعل ومن معهم). بالنسبة لنتنياهو ووزير دفاعه غالانت ومن معهم من متطرفي حكومة الليكود، لا فرق بين الحمام والصقور على صعيد آلة الموت والتصفيات. محمد الضيف أعلنت إسرائيل منذ شهور قتله، لكن قيادة حماس لم تؤكد ولم تنف خصوصا أن الضيف رجل غامض بحيث لا توجد له حتى صورة يمكن من خلالها تبيان ملامحه. وبينما تبحث عن يحيى السنوار الرجل الذي صنع أول طوفان هز الكيان الصهيوني وبعنف فإنها قتلت إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس وأحد أبرز زعمائها طوال سنوات طويلة في قلب طهران.

بعد شهور من التهديد والوعيد بشأن الثأر لمقتله ردت إيران قبل نحو إسبوعين بمئات الصواريخ على الكيان الصهيوني، الأمر الذي جعل المواجهة بين الطرفين مفتوحة على كل الاحتمالات بمن فيها الحرب الشاملة. في هذه الأثناء قتل الكيان زعيم حزب الله حسن نصر الله في الضاحية جنوب لبنان قبل مدة قصيرة من تنفيذ الرد الإيراني لمقتل هنية، ما جعل احتمالية الضربة الإيرانية أكثر احتمالا وقد حصل. المفاجأة هي مقتل السنوار الذي حصل بمحض الصدفة وخارج أنفاق غزة. بالنسبة لنتنياهو ومعايير الولايات المتحدة الأميركية وكل الغرب المزدوجة، فإن قتل السنوار يعد بمثابة انتصار. لكن بالنسبة للسنوار انتصار أيضا مع فارق مفهوم الانتصارين. يحيى السنوار الشجاع الرهيب كان يرى أن حياته وقد بلغ الواحد والستين من العمر زائدة، وبالتالي وعلى طريقة اليوم التالي كان لا يتمنى الموت بكورونا أو جلطة، بل يقتله الصهاينة، وقد فعلوا. إذن موته انتصار بل وانتصار مدوٍ وكما قال السياب في قصيدة "النهر والموت".. "أود لو غرقت في دمي إلى القرار.. لأحمل العبء مع البشر.. وأبعث الحياة، إن موتي انتصار".