أشواق النعيمي
تحاكي حلقات مسلسل (Black Mirror) المرآة السوداء البريطاني حياة المستقبل القريب وآليَّة استخدام التكنولوجيا الرقمية في مراحلها المتقدّمة، لكن من جوانبها المظلمة، تُظهر انغماس البشر في العوالم الافتراضية على حساب التعاطي الإنساني الواقعي، تعكس دواخل النفس البشرية وتناقضاتها واستغلالها السلبي للتكنولوجيا، الأمر الذي يغيّر خرائط التعامل السلوكي من البشري إلى الروبوتي ويفكك العلاقات الأسرية ويؤثر في البناء المجتمعي بالمجمل. يتضمّن المسلسل تسعاً وعشرين حلقة طويلة موزعة بين ستة مواسم، تعالج كل حلقة موضوعاً مختلفاً وتعد فيلماً تلفزيونياً منفصلاً، حاز المسلسل جائزة (primetime Emmy Award) لأفضل فيلم تلفزيوني لثلاث مرات متتالية. وهو من تأليف تشارلي بروكر وإخراج مجموعة مخرجين.
في حلقة “تاريخك الكامل” ضمن الموسم الأول يمكن إعادة المشاهد الماضية ومراجعتها دماغياً أو عرضها على شاشة التلفاز بواسطة رقاقة إلكترونية تُزرع خلف الإذن. يوثق جهاز “ليام” كل شاردة وواردة الأمر الذي يؤدي إلى مشكلات نفسية خطيرة وذكريات مؤلمة، يعمل الجهاز على استدعائها بشكل تلقائي ما يعيق استمرار حياته الطبيعية.
وتمكن التكنولوجيا المستقبلية الزوجة من الحصول على زوج آلي بديل عن الزوج المتوفى في “سأعود بعد قليل” ضمن الموسم الثاني. بعد أن تفقد مارثا زوجها في حادث سير وتشعر بصعوبة التأقلم مع واقع عدم وجوده إلى جانبها، من خلال برنامج للذكاء الاصطناعي تستطيع مارثا محادثة النسخة الافتراضية من زوجها المتوفى صوتياً، ينتقل البرنامج إلى مستوى الصورة الملموسة ثم التجلي الجسدي بنسخة مطابقة
للزوج وبأدق التفاصيل. ولأنه نسخة آلية مهما بلغت درجة التقارب الجسدي والصوتي تشعر مارثا بالاغتراب مع زوج وهمي لا يمتلك مشاعر إنسانية ولا يمكن أن يكون بديلاً عن الأصل. موضوع الحلقة يؤكد أنَّ العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا هي علاقة مادية مجردة ولا يمكن أن تكون بديلة عن العلاقة الإنسانية.
وتحاكي حلقة “الميلاد الأبيض” فكرة الحجب في مواقع التواصل الاجتماعي لتكون قابلة للتطبيق في الواقع. توفر التكنولوجيا المتطورة إمكانية حجب أي شخص بكبسة زر بجهاز تحكم صغير، لا يستطيع المحجوب رؤية الحاجب وكل ما يتعلق به. وتكرار فكرة الاستنساخ البشري الإلكتروني بهدف استعبادها بعد ترويضها للخدمة والعمل الآلي مع احتفاظ النسخة بكامل إدراكها ومشاعرها الوهمية.
وفي الموسم الثالث تناقش حلقة “انحدار” التقييم الإلكتروني المدمج بين الواقع والافتراض، واعتماده كقيمة مالية ومعيار للارتقاء بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي للفرد. التقييم في المستقبل صار يتحكم بحياة الفرد حسب نقاط التقييم التي ترتفع وتنحدر لأسباب تافهة. تسخر الحلقة من هوس الشهرة وهيمنة النفعية المادية في تسخير التكنولوجيا على حساب القيم الإنسانية.
في حلقة “اختبار اللعبة” من الموسم الثالث يحصل كوبر على عرض مغر للمشاركة في محاكاة لعبة فيديو سيكولوجية، تقوم بإسقاط العناصر الافتراضية على الواقع المادي وتتحكم بأفكاره لتوهمه بحدوث أمور غير حقيقية، ورؤية أشخاص غير موجودين، تثير فيه مشاعر الخوف الشديد والهستيريا والفائز من يتمكن من الصمود. تعمل اللعبة بنظام تحميل حزمة عصبية شبكية في الدماغ، فشل القائمون على اللعبة في إخراج كوبر منها لأنَّ النظام كان قد تغلغل في جذور دماغه وأتلف ذاكرته وتسبب في وفاته.
في الحلقة الأولى من الموسم الرابع يحاكي المهندس روبرت دالي في لعبة أنترنيت مسلسل مغامرات الفضاء ستارترك، وبسبب تجاهل زملائه في العمل لموهبته، يعمل على إنتاج نسخ رقمية منهم بواسطة إدخال حمضهم النووي في جهاز التحليل الإحيائي وتحويلهم إلى لاعبين افتراضيين داخل لعبة السفينة الفضائية كاليستر. يلعب دالي الشخصية المأزومة دور قائد السفينة للسيطرة على نسخ زملائه والانتقام منهم داخل اللعبة. تتمحور الحلقة حول هاجس استغلال الذكاء الاصطناعي لإنتاج نسخ بشرية رقمية مطابقة للإنسان.
في حلقة “ضرب الأفاعي” من الموسم الخامس تتحول لعبة فيديو عادية بعد أحد عشر عاماً إلى لعبة تشبه إلى حد ما لعبة جومانجي في سلسلة أفلام جومانجي الشهيرة، يمكن للاعبين المحاكاة التفاعلية التي تشمل الأحاسيس الجسدية والنفسية بعد الدخول في حالة فقدان وعي مؤقت في الواقع اعتاد داني وكارل ممارسة اللعبة بنسختها القديمة قبل أن تتحول برمجياتها إلى موقع لممارسة الجنس بين الشخصيات الافتراضية المتصارعة في اللعبة، تتغير حياة كارل الأسرية الهادئة متأثراً بأجواء اللعبة التي حوّلت علاقة الصداقة مع داني إلى المثلية.