علي حمود الحسن
شاهدت بمتعة وإعجاب فيلم "بنات ألفة" (2023) للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، التي كتبت السيناريو والحوار له ومنتجته أيضاً، ومثلت فيه هند صبري، ومجد مستورة (تقمص دور رجال عدة) ونور قروي وإشراق مطر وألفة حمروني وتيسير الشيخاوي.
ينتمي "بنات ألفة" إلى الأفلام الروائية الوثائقية، إذ نفذته بن هنية بأسلوب "فيلم داخل فيلم" لتستطيع الإحاطة بملابسات الحدث من كل جوانبه من خلال إقحام ثلاث ممثلات على يوميات ألفة وبناتها الحزينات، إذ نجحت هند صبري الممثلة المفضلة أصلاً لهذه الأسرة المكونة من أربع بنات وأم تجاهد لتحافظ على بناتها وتحميهن من الشر، لتجد نفسها بالنهاية منتهكة، إذ تنضم البنتان الكبيرتان غفران (تؤدي دورها اشراق مطر) ورحمة (تجسدها نور قروي) إلى عصابات داعش الإرهابية في ليبيا، ويلقى القبض عليهما وتسجنا، لتتحول حياة هذه الأسرة الصغيرة إلى جحيم، لا سيما بعد أن انتشرت قصتهما في القنوات الفضائية ووسائل التواصل، دافعت الأم المكلومة دفاعاً مستميتاً من أجل إنقاذ ابنتيها، بل صحبتهما إلى الشرطة وأخبرت عنهما، لكنها لاقت إهمالاً.. هذه المأساة استفزت المخرجة المعروفة بشجاعتها وإقدامها، فحملت كاميرتها وتوجهت إلى بيت ألفة، وكان الموضوع ساخناً ومثيراً، فأنى لمراهقتين أن تسقطا في براثن داعش، لكنها وجدت أن المقابلات والاستقصاء لا تلبي ما تبتغيه، فاستقدمت شابتين صغيرتين لتجسدا دور رحمة وغفران، فيما جسدت هند صبري شخصية الأم. وكانت النتيجة باهرة، إذ انسجمت البنات مع بعضهن وفتحت ألفة مغاليق قلبها للمخرجة، وأباحت بتفاصيل قصتها، وكيف تصرفت كرجل لتحمي أسرتها، وأفصحت عن علاقتها الإشكالية بالرجال، وهم ليسوا كثيرين على أي حال، فليس غير زوج خانع، وعشيق مجرم، وفي الحالتين هي صاحبة القرار.
من خلال سرد مرح وكوميدي - على أساه- تروي ألفة قصة ليلة دخلتها العجيبة، وكيف مسحت الأرض بزوجها ركلاً وضرباً حتى نزف دماً، فلطخت به قميص نومها، وأشهرت دليل عذريتها، فعم الفرح وتعالت الزغاريد، وضعت المخرجة الكاميرا في زاوية لتراقب الصبايا وهن يسردن ذكرياتهن عن الأخوات الغائبات، بينما تؤدي هند صبري مشاهد من حياة هذه السيدة القوية. نجحت كوثر بن هنية بأن تحول سرديتها إلى حوار واستذكار، وقد حاولت زيارة الأختين في أحد السجون الليبية من دون جدوى، هذا البوح الحميمي الأنثوي نجح في فهم قضية ألفة وبناتها، إذ كانت طريقة المخرجة أقرب إلى المعالج النفسي، ليس هذا وحسب إنما ركزت المخرجة على تأثير الثورة في الشعب التونسي من خلال ألفة الحمراوي التي تحررت تماماً من نمط حياتها، فضلاً عن زوجها الثاني المرمي في السجن لجرائم ارتكبها.
يمكنني القول إن فيلم "بنات ألفة" نسوي بامتياز، إذ انحاز للمرأة وهمومها وأظهر الرجل بشكل كاريكاتيري، فهو المراهق المتهتك، والزوج الخانع الأقرب إلى المسطول، والعشيق ثم الزوج المدمن والمجرم أيضاً، وهو رجل الأمن المتعسف فاقد الضمير، المفارقة أن المخرجة تعمدت تجسيد هذه الشخصيات بممثل واحد، ربما لتقول إن الرجال هم نسخة طبق الأصل من
كل هذا.