فرانسيس بيكون.. الرعب والجمال

ثقافة 2024/10/22
...

 جوناثان جونز

 ترجمة: كريمة عبد النبي

تعد الأسنان، التي نمتلكها جميعا، واحدة من أعضاء جسم الإنسان، التي تتطلب اهتماماً كبيراً وعناية فائقة، وبالتالي الحصول على اِبتسامة جميلة. لكن، بالنسبة للرسام الإنكليزي فرانسيس بيكون (1909 - 1992) فإن الأسنان هي عبارة عن "بارقة" للموت في وجه إنسان على قيد الحياة، وهي تلك القوة والصلابة البيضاء التي تبقى مستمرة حين تزول كل الأشياء الناعمة هذا الإنسان.
حول هذا الموضوع تستضيف قاعة اللّوحات الوطنيَّة في لندن معرضاً فنياً للفنان فرانسيس بيكون، تضمن عددا من اللّوحات والبورتريهات، التي تقدم أجوبة لكل الأسئلة المطروحة حول عظمة هذا الرسام.
المعرض يعكس، من خلال عدد من الأعمال، دوامة من الخوف. وتمثل واحدة من اللّوحات عملية تشريح جسد على منضدة وهي تعكس طريقة الفنّ الحداثوي لدى بيكون الذي كان حريصا على تفصيل عملية التشريح الآدمي للأشخاص، فيما تمثل لوحة أخرى بورتريها شخصيا لهذا الرسام، بالإضافة إلى لوحات لعدد من الشخصيات أنجزها الفنان نهاية أربعينيات وبداية خمسينيات القرن
الماضي.
عمل بيكون مطلع حياته الفنية في مجال الديكور وتصميم الأثاث والسجاد ومن ثم تحول إلى رسم اللوحات مع بلوغه منتصف الثلاثينيات من عمره. اشتهر هذا الرسام باِبتكار تقنيات جديدة للتعبير الفني كتشويه الأشكال وتكسير الصور التقليدية لاعطاء لوحاته المزيد من التأثيرات لاظهار مدى عمق مواضيع هذه الأعمال. واعتبر الكثير من نقاد الفنّ أن أعمال بيكون الفنية هي من أهم المساهمات في تاريخ الفن كونه واحدا من أعظم رسامي القرن العشرين بسبب استخدام هذا الفنان للألوان والتأثيرات الضوئية لإيصال المشاعر والمعاني خلال العديد من أعماله الفنية.
وتظهر لوحاته مدى تأثره بأعمال الرسامين بابلو بيكاسو وأدوارد مانية على الرغم من أنه كان يمتلك أسلوبا فريدا في التعامل مع الألوان.
كان بيكون الفنان الوحيد الذي واجه حقيقة الحقبة الزمنية التي عاشها والتي تلت الحرب العالمية الثانية حيث عكس أحداث هذه الفترة في عدد من أعماله
الفنية.
ومن الأعمال المعروضة في هذا المعرض لوحة بعنوان "لا شيء يدعو للابتسام" التي تمثل رجلا يرتدي بدلة سوداء ونظارة ويجلس على كرسي وتبدو اللوحة ممثلة لشخصية "جيمس جويس"، أحد أشهر كتاب وشعراء القرن الماضي، ويطغى عليها اللون الأسود. ومن الأعمال الأخرى لوحة بعنوان "مواجهة الحقيقة.. بورتريه شخصي" رسمها الفنان خلال نهاية الثمانينيات من القرن الماضي.
وقد اشتهر بيكون برسم سلسلة اللوحات المعروفة بـ "سكريمنغ بوب" التي يعود تاريخها إلى خمسينيات القرن الماضي، إذ عمل على تلك السلسلة لأكثر من عشرين عاما.
كانت حياة بيكون مصدر اهتمام للعديد من نقاد الفنّ، إذ وصفه بعضهم بالمجنون بينما وصفه آخرون بأعظم رسام بريطاني منذ تيرنر. كانت لوحاته مخيفة وأحيانا مرعبة ويعود ذلك للفترة الزمنية التي عاش فيها الرسام حيث الملايين من البشر التي فتكت بهم الحروب المتعددة والثورات إضافة إلى الفاشية والنازية خلال القرن العشرين. وقد انعكست تلك الأحداث في لوحاته التي تمثل بعضها قطعا من اللحم البشري ولوحات تصور أشخاص مشوهين.
ومنذ أن بيعت لوحاته بأسعار قياسية عام 2007، أصبحت أعماله محط اهتمام الكثير من النقاد. وكان بيكون قد أوضح في أحدى المقابلات بأن شخوصه تبدو مشرفة على الهلاك؛ قائلا "إن قابلية الإنسان للفناء هي حالة لا مفر منها ولا يمكن أن نتوقف أبدا عن التفكير بها. وإذا كانت الحياة تثيرك فإن ظلها، أي الموت، يجب أن يثيرك
أيضا".
عن صحيفة الغارديان
البريطانية