علاء جمعة: المكان والفرد مرتبطان ببعضهما

ثقافة 2024/10/23
...

 عدنان حسين أحمد
ينتمي الكثير من الفنانين التشكيليين العراقيين إلى المذهب الواقعيّ الذي يستمد موضوعاته الأساسية من الواقع، لكنّ الفنان العراقي يضفي على لوحته الواقعيَّة شيئًا من روحه ولمساته الخاصة التي تُحيل إليه، وتجسّد تجربته الفنية الخاصة. ولو تتبعنا نتاجات الفنانين الواقعيين العراقيين منذ بداية القرن العشرين لوجدناها تتكئ على الطبيعة العراقيَّة وتنهل منها ثيماتها المحليَّة بدءًا من عبد القادر الرسّام، ومحمد صالح زكي، وعاصم حافظ وغيرهم. وسوف يرصد فائق حسن الحياة البغدادية، فيما يتعمّق فيصل لعيبي وصلاح جياد ونعمان هادي ووليد شيت بالطبيعة والحياة الشعبيّة، بل إنّ البعض منهم يُنعَت بفنان النخيل مثل منير العبيدي لشدة تعلّقه بالنخلة العراقيّة التي يعدّها أجمل شجرة في الوجود. ولمناسبة اشتراك الفنان علاء جمعة في المعرض الجماعي المعنون "ترانيم النهرين" بلندن إلى جانب الفنانَين محمد الدعمي وعلاء السريح والنحّات زيد الفكيكي التقيناه وكان لنا معه هذا الحوار.

*تهتم المدرسة الواقعيّة بالحياة اليومية للعمّال والفلاحين والطبقات الفقيرة في المجتمع. تُرى هل تأثرت بأعمال الفنانين الواقعيين العالميين أم أنّ مصادر تأثيرك تعود إلى بعض الفنانين الواقعيين العراقيين؟

-المدرسة الواقعية هي هاجس فطري لدى الكثير من الفنانين كما اعتقد، ولذلك منذ أن بدأ الإنسان يرسم على جدران الكهوف كان يوثِّق لواقعية حياته اليومية ولأنّ الفنان ابن بيئته فهو يرسم بهاجس المشاعر والمشاهدات لواقعه الحياتي ويضيف عليه ويُجمِّله في بعض الأحيان ويحاول أن يجعله مختلفًا تمامًا عما هو عليه. من ناحية التأثير كانت البدايات عندما كنّا طلبة في كلية الفنون الجميلة ولعدم وجود متاحف خاصة في العراق تضم أعمالًا واقعية غير المتحف البغدادي ومتحف الروّاد، ومن خلال الزيارات المتكررة للمتحف البغدادي ومشاهدة أعمال الفنانين الكبار أمثال وليد شيد وصلاح جياد والآخرين في متحف الرواد كانت هذه المشاهدات لها تأثير مباشر على مستوى العمل. 

أمّا التجارب الأوروبية فهي غنية جدًا ولا يمكن حصرها بأسماء معينة والتنقّل بين متاحف بريطانيا وأوروبا أضاف إليّ الكثير، وأكثر ما شدّني من الفنانين هو الفنان البريطاني صموئيل لوك فيلدز (1844 - 1927) حيث تركت لوحة "الطبيب" التي رسمها عام 1889 بتكليف من متحف "التيت" تاثيرًا واسع الانتشار على المجتمع البريطاني ولاحقًا الأمريكي، وعندما عرضت هذه اللوحة كان الناس يقفون طوابير طويلة لرؤيتها، وهذا يعكس مدى أهمية العمل الواقعي الذي يحمل رسالة إنسانيّة.

*هل تنفِّذ اللوحة الواقعية بطريقة عفوية أم تُعنى باللون والخط والسطح التصويري كما يفعل الكلاسيكيون؟

-قد يكون الفن هو الشكل الأكثر تعبيرًا عن شخصية الفرد وارتباطه بالواقع الذي عاشه أو تمنى أن يكون له علاقة مستديمة به. ولذلك يُعتبر الفن بطبيعته انعكاسًا لأفكار الشخص ومعتقداته وحالته الذهنية. وعلى المستوى الأساسي، فإن العمل الفني هو نتاج مزيج من كل ما تقدم ذكره، ولذلك أي عمل يقدِّمه الفنان يُعتبر ذا أهمية خاصة. أمّا التفرد والاعتزاز بعمل معين فهو يندرج ضمن طبيعة العمل نفسها التي ترتبط بجزئيات معينة من حياتنا. وعلى الصعيد الشخصي تحتل لوحة "بائع البرتقال" مكانة خاصة لدي تذكِّرني بمرحلة معينة من الطفولة عندما كان جدي يصطحبني معه لزيارة الأماكن المقدسة وكنت أنظر باِندهاش إلى تلك النقوش والزخارف الجميلة على جدران الأضرحة . 

الرسم العفوي هو الرسم بشكل حدسي من دون وجود صورة أو نموذج يستعين به الفنان، حيث تأتي النتيجة من خلال التلاعب العفوي بالفرشاة والألوان والملمس، وكلها تأتي من استجابة مباشرة لتوجيه داخلي وليس من معيار جمالي. بينما رسم العمل الواقعي له ثوابت ومقاييس محددة لم تتغير، ولذلك أنا أتّبع نفس المنهج عند التحضير لعمل واقعي يتطلب الكثير من الجهد والوقت والتخطيط لانتاجه.

*تميل إلى الموضوعات الشعبيّة التي ترصد الباعة المتجولين أو العاملين في جني التمر وما إلى ذلك. هل يعني هذا بأن تركز على الثيمة والموضوع وتزجّهما على الشكل الرمزي الدال؟

- أحاول رسم المَشاهد التي يكون فيها المكان والفرد مرتبطين ببعضهما بعضًا من خلال ممارسة عمل أو مهنة معينة تربطه بذكريات محددة من الماضي والتي اختفت غالبًا من حياتنا الراهنة.