ميثم الخزرجي
لعلَّ المختصَّ في تكنولوجيا المعلومات والعلوم الإلكترونية الحديثة يعرف تماماً أنَّ الأجهزة التقنية المختبرية منها واللوحية الذكية تقام على جزأين أساسيين مادي (software) وجزء برمجي (Hardware)، وهذا التصنيف العلمي ما زال فاعلاً على الرغم من التقدّم الذي صاحب لغة الآلة ووظائفها المتنوعة التي اختصرت الأوان وذلّلت كثيراً من عقباته، وهنا من الضروري أن نشير إلى أنَّ المكوّن المادي (الملموس العيني بكتلته ومساحته) من غير الممكن أن تظهر فائدته على أرض الواقع من دون أن تتناوب عليها البرامجيات المحسوسة والمرمّزة بكود رياضياتي والتي نلاحظ عملها حال التنفيذ لتعطي فاعلية الجزء المادي وتضيء جوهره، لتكون العملية متوافقة وطبيعة الأجزاء بعموميتها عن طريق شيفرة برمجية تؤدي غرضاً معيناً.
ولو استفهمنا عن النواة التي تعيّن أو تحدد عملية تنفيذ الإيعازات لعرفنا أنَّ المعالج (processor) هو المسؤول عن إدارة هذا الشأن والذي يعد بمثابة العقل عند الإنسان وقد يكون ثمة ارتباط فعلي ما بين الإلكترونيات من حيث التصنيف ومركزية توزيع المهام وبين الكائن البشري، مع التوقف عند الجانب الشعوري والحسي عند الأخير فضلاً عن القيم الوجدانية التي تتماهى مع مجريات الواقع بينما تكون مجردة بل معدومة من الأجهزة العلمية كونها تتعامل بمنطق رياضياتي خالص لا يتقبل الخيارات الوسطى، فيما إذا فرضنا أنَّ الإنسان يحمل التصنيف الآلي نفسه، أي أنه متكون من جزء مادي وهي الهيئة الجسمانية، وهذه حقيقة شاهدة كونه يشغل حيزاً واضحاً، وبين الجهاز الإدراكي والمفاهيمي الذي منطلقه العقل، هل ثمة فرق بينه وبين الآلة الذكية في حال لو تطابقت النقطة الجوهرية (العقل/ المعالج) في كليهما (الإنسان والحاسوب)؟ قد يكون الجواب الفاصل هي القيم الأخلاقية والنسقية التي تشكّل الصفات الإنسانية للجنس البشري، لكن ماذا عن صناعة الروبوت ليحلَّ محل الجنس البشري في كثير من الأعمال والمهن الحرفية؟ وكيف تكون النظرة المعيارية المتبعة له؟ وما هي أبعادها على النوع الجنساني الحقيقي؟ وكيف يكون الشعور الجواني بالنسبة للإنسان حيال هذا السياق المفروض عليه؟ هل أنَّ المسألة مرتبطة بالعادة والمراس ليصبح الأمر طبيعياً، أم أنَّ نتيجة الانحراف الماهوي الثقافي وتغيير المسار الحياتي هو المؤثر الرئيسي؟، هل العقل غير قادرٍ على أن يستقلَّ برأيه حيال الزحام التكنولوجي والتداخل الصوري والفيديوي المهول الذي حصل بين الواقع والخيال والذي أخذ على عاتقه تخدير بل إبادة نشاط خلايا الدماغ التي تتولى تعيين الصواب من عداه؟ وقد أكون مصاحباً للحقيقة إذا قلت إنَّ المنظومة المعرفية والفكرية للكائن البشري في هذا الزمن المثقل بالصراعات الوجودية، عقائدية كانت أم علمية فقدت مركزيتها بسبب الاستقطاب الحضاري العظيم الذي لا تقوى الذهنية العربية تحديداً على أن تتعاطى معه بالصورة الصحيحة لذا صار التطور من ناحية الطقس العام وليس من ناحية الرؤى والمفهوم والبنية الثقافية المشكّلة لطبيعة الإنسان المعاصر، كيف ينظر الإنسان الحالي لهذا التحول في النوع البشري الجنساني الذي اخترق المحظور وعن هذا التلاعب في المناسيب الهرمونية للجنسين؟ ماذا لو تم إنتاج روبوت ذي مجسات قيمية وإنسانية لها استقرارها الشعوري والحسي؟ كيف سيكون حال الإنسان فيما بعد؟ وكيف يُنظر إلى هذا التناغم والتسليم في بعض من بلدان آسيا الشرقية من حيث صناعة روبوت أنثوي يتحلى بصفات الكائن البشري من حيث السلوك والتصرف وحركة الأعضاء بل حتى الأبعاد الأخلاقية والجنسية والقابلية على تطويعها؟ كيف سيكون المآل فيما بعد؟ هل ثمة موت قيمي، أم انمحاء مادي وجودي؟ أم كلاهما؟
حقيقة الأمر أنَّ الأفلام المتمثلة بأفكار الخيال العلمي والتي كانت تسوّقها شركــــــــــــــات الإنتاج الفنية العالمية المعروفة، أصبحت الآن نافذة بل لها مخططات براغماتية تحاول جاهدة أن ترسل لنا مسجاً ثقافياً أو علمياً لا يتفاجأ المجتمع به في حال لو تحقق غرضه، وهنا نلاحظ أنَّ كثيراً من الرؤى العلمية والظواهر المجتمعية التي طرحتها الأعمال السينمائية والبرامج المهتمة بالفلك والفضاء بل حتى الأعمال التي تناولت الأزياء وما يتعلق بمستجدات الموضة استوطنت على أرض الواقع، ولهذا نلاحظ أنه بعد هذا الحراك العلمي المواكب لظهور الذكاء الاصطناعي أصبحت الاعتبارية الوجودية للروبوت، فضلاً عن التقانات التي أخذت تحرّض الإنسان بل تستفزه في النزوع نحو إضاءة سمته البشرية مما شكّل واعزاً نفسياً منكسراً في كيفية التعاطي مع طبيعة الأوان وابتكاراته التكنولوجية، ليكون السؤال الأكثر إحاطة في المضمون، هل أنَّ كل ما يؤدي به الخيال من الضروري أن يحققه العلم ولو بعد حين، أم أنَّ انزياح العقل المختبري كشف عن أهدافه في ماهية رسم حياة مختلفة لا تستطيع الذهنية العربية أن تأتلف مع مستحدثاته؟
واقعاً أنَّ الإعلان عن اختراع روبوتات هيمنت على بعض الأعمال في المؤسسات الموجودة في الصين وبعض الدول الآسيوية بات أمراً واضحاً للعيان ولعلي أجد أنَّ ثمة ما يشي إلى بسترة كنه الكائن البشري وتهميش قدرته على تصعيد الدور الاعتباري له وإنارة وجوده، لكن ماذا لو أخذ الروبوت مواقع لها قيمتها الإنسانية مثل الفن والمهن الصحية، هل سيكون منسجماً وطبيعة الواقع ونظرته للعامة؟ وهل يحلّ بدلاً عن الإنسان، أم تكون ثمة توأمة بينه وبين الكائن البشري من حيث الأخلاق والسلوك والأنساق الاجتماعية؟ وفي حال تحقق ذلك كيف تكون نظرة الإنسان لنفسه إزاء هذه الابتكارات العلمية؟ لذا أجد أنَّ من المفترض أن نوضح مسألة غاية في الأهمية حول الروبوت الأنثوي الذي أشيع استخدامه في الصين وعن رواج استعماله جنسياً من قبل الذكور بل تفضيله أيضاً، لتكون هذه الابتكارات التي تقترب من ماهية الإنسان وجوهره تشكل خطراً من الناحية القيمية والوجودية بل أنها تخلق لنا مساراً مجرداً من حيث السمات البشرية ليكون التعامل معها عبر شيفرات برمجية مختلفة، وقد أشير إلى العامل النفسي المرتبك الذي يكنه إنسان هذا العالم حيال ابتكارات كهذه كونها زعزعت كينونته وكبّلت مقدراته الحيوية لتنتج لنا كائناً بشرياً يعاني من نكوص في تعيين إرادته، فمن المفترض أن نستقرئ جدية التأسيس في هذا المجال والأخذ بعين الاعتبار أنَّ ثمة محواً تاماً لفاعلية الإنسان ودوره في هذا العالم، نعم أنَّ الاختراعات العلمية لها منجزها الثر الذي نفخر به شريطة ألّا تزيل خصائص الجنس البشري وتبدد هويته الإنسانية.