سامر المشعل
سئل المغني الشعبي سعدون الساعدي في أحد اللقاءات التلفزيونية: إن كانت ألحانك تسرق منك؟ فأجاب بتلقائية محببة" هو أني منو رياض السنباطي، قابل ملحن الاطلال، هي صمون عشرة بالف، منو يسرقها!". هذه الاجابة التي تثير السخرية للمغني المثير للجدل، تكشف أن مغنيها غير مقتنع بقيمة ما يقدمه، لا سيما أنها أغنية الشهرة التي فتحت له أبواب النجومية وبصورة مقاربة من التشوه انتقل المغني الشعبي شعبان عبد الرحيم من شخص مغمور يعمل" مكوجي" إلى مغنٍ معروف بفضل أغنية واحدة، ليتقاضى في الساعة الواحدة أربعين ألف جنيه، حتى أن شعبان لم يصدق ما يحصل له، فيقول: "معقولة الناس تدفع فلوس وتأتي لتسمعني، أنا بحلم ولا بعلم؟! فاقرص نفسي لعلي أحلم، فأتوجع، فأدرك ما يحصل هو حقيقة، وليس لحظة جنون أو حلم ".
عندما دخل الفن في منعطف التجارة، فقد الكثير من خواصه الطبيعية من حيث صدق الموهبة والالتزام الفني والقيم الجمالية والذوقية، فأصبح الفن يحرك وسط الجسم ولا يحرك المشاعر والأحاسيس والرأس بحسب الموسيقار محمد عبد الوهاب.
كنت أتحدث مع الفنانين الرواد، الذين صنعوا لنا الروائع الغنائية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عن الأجور التي كانوا يتقاضونها والمنافع المادية ازاء ما قدموه من ابداع استثنائي.. كانوا يؤكدون لي بأنهم دخلوا الفن من أجل إظهار مواهبهم وليس من أجل أن يكونوا أغنياء أو تجارا. فهل يعلم القارئ أن الفنان الكبير الدكتور فاضل عواد تقاضى عن أغنية " لا خبر " مبلغ ثمانية دنانير فقط، وأن الملحن الكبير محمد جواد أموري تقاضى مبلغ ستة دنانير فقط عن أغنية " ياحريمة". وان الملحن الرائع كوكب حمزة تقاضى عن أغنية "ياطيور الطايرة " مبلغ اثني عشر دينارا فقط.
قد لا يصدق القارئ أن هذه الروائع الغنائية التي عاشت في ذاكرتنا ونمت عليها ذائقتنا وعمرت لأكثر من نصف قرن، كانت مقابل أثمان زهيدة، تدفع لصناعها من قبل الاذاعة والتلفزيون.
بينما أصاب بالذهول وأنا أعرف أن أغنية " انساي" دويتو بين محمد رمضان وسعد المجرد تخطت ميزانيتها مبلغ نصف مليون دولار! نعم أكثر من 500 الف دولار أميركي، وليس هناك خطأ مطبعي، هذه السذاجة يتم تصنيعها بميزانيات ضخمة جدا تفوق الخيال، ويتم تصويرها بين أوروبا وأمريكا أو في غرف النوم وحوض السباحة "البانيو"، والأغرب من ذلك أن محمد رمضان اختلف مع المجرد في تقاسم الارباح، ما ادى بالمجرد إلى تقديم شكوى إلى ادارة اليوتيوب، فقررت حذفها.
يبدو أننا في زمن زادت فيه التكاليف المادية للأغنية وتناقصت القيمة الروحية والذوقية، ولو أدرك الفنان داخل حسن أو نسيم عودة أو عبد الصاحب شراد.. زمن محمد رمضان وسيف نبيل والمجرد وروبي، وعلموا ان هذه التفاهات تكلف نصف مليون دولار، لأصيبوا بالجلطة الذوقية وماتوا من جديد.