محمد علي الحيدري
لم يكن القرار الأميركي بنشر منظومة "ثاد" المتطورة المضادة للصواريخ في الكيان الصهيوني أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية لتل أبيب، التي تخوض حرباً شرسة في غزة ولبنان وصلت آثارها لليمن وإيران.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أعلنت أن هذا القرار اللافت جاء بأوامر من الرئيس الأميركي جو بايدن، التي تتبنى إدارته دعماً "لا لبس فيه" للكيان، كما أن هذا القرار، الذي يشمل نشر طواقم عسكرية أميركية مكلفة بتشغيل هذه المنظومة المتطورة، لن يكون الأخير.
وبحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية فإن "إسرائيل تلقت مساعدات عسكرية أميركية أكثر من أي دولة أخرى منذ الحرب العالمية الثانية" حيث بلغ إجمالي المساعدات الأمنية الأميركية المعلنة للكيان أكثر من 200 مليار دولار منذ أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وتشير تقارير غربية إلى أن الولايات المتحدة زودت الصهاينة بمساعدات أمنية وأسلحة بقيمة مليارات الدولارات على مدار العام الماضي، منذ أن بدأت القوات الصهيونية بردها الشامل على هجوم حماس في 7 من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
بالإضافة إلى ذلك، نشرت إدارة الرئيس بايدن وحدات وقطعا بحرية تأهباً لأي طارئ يستوجب تدخلا مباشرا، فيما ساعدت القوات الأميركية الكيان في صد هجومين صاروخيين إيرانيين كبيرين الأول في نيسان الماضي والثاني في مطلع تشرين الأول الجاري وخففت من أضرارهما.
ففي أبريل/ نيسان، شاركت الولايات المتحدة وحلفاء آخرون في عملية للدفاع عن الكيان بعد أن أطلقت إيران أكثر من 100 صاروخ باليستي على مختلف المواقع الصهيونية، بالإضافة إلى حوالي 30 صاروخ كروز وأكثر من 150 طائرة بدون طيار متفجرة، حسبما قال أفاد في حينها مسؤولون في البنتاغون.
واستخدمت الولايات المتحدة طائرات (إف-15 إي سترايك إيغلز)
لإسقاط حوالي 70 طائرة بدون طيار هجومية متجهة إلى الكيان الصهيوني، في حين أسقطت المدمرتان، المنتشرتان في شرق البحر الأبيض المتوسط (يو إس إس كارني، و يو إس إس آرلي بيرك)، ما بين أربعة إلى ستة صواريخ باليستية.
كما نقلت الصحف الأميركية عن مسؤولين عسكريين أن القوات الأميركية في العراق استخدمت نظام الدفاع الصاروخي باتريوت للغرض نفسه.
وقال الميجور جنرال باتريك رايدر، السكرتير الصحفي للبنتاغون، في الأول من أكتوبر الماضي، إن الجيش الأميركي تدخل أيضًا عندما هاجمت إيران الكيان المحتل مرة أخرى مطلع هذا الشهر، حيث أطلق ما لا يقل عن اثني عشر صاروخًا اعتراضيًا على الصواريخ الباليستية القادمة من إيران والتي قدر عددها بأكثر من مئتي صاروخ.
وبصرف النظر عن الجهود التي يبذلها الجيش الأميركي في الدفاع عن الكيان، زادت واشنطن بشكل كبير من حجم تمويل المساعدات العسكرية المرسلة إلى تل أبيب ووافقت على المزيد من مبيعات الأسلحة والمعدات إليها. ولقد تلقى الصهاينة بالفعل مساعدات عسكرية أمريكية أكثر من أي دولة أخرى منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب الصحيفة الأميركية.
هذا ولم يقدم البنتاغون تقديراته لتكلفة الدعم العسكري الأميركي للكيان المحتل في هذه الفترة، لكن وفي تقدير صدر في وقت سابق من هذا الشهر قبل نشر نظام ثاد، قال مشروع "تكاليف الحرب بجامعة براون" إن "تكلفة العمليات الأميركية الإضافية في الشرق الأوسط منذ أكتوبر الماضي بلغت 4.86 مليار دولار". كما أن البنتاغون لم يقدم تقديرا لتكلفة نشر نظام "ثاد" في الكيان المحتل.
ووفقا لتحليل للصور التي نشرتها القوات الصهيونية، فمن المحتمل جداً أن تل أبيب استخدمت ذخائر أميركية الصنع تزن 2000 رطل لقتل زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله في بيروت الشهر الماضي.
يشار إلى أن العديد من تفاصيل الصادرات العسكرية الأميركية ليست علنية، مما يجعل من غير الواضح مقدار الأسلحة المستخدمة أو عمليات النقل الأخيرة التي تمثل إمدادات روتينية، على عكس التصعيد الذي يهدف إلى تجديد الذخائر المستخدمة في القصف الصهيوني لغزة.
ومع ذلك تم الإعلان عن بعض مبيعات المعدات العسكرية ففي نهاية عام 2023، مثلاً، وافق البيت الأبيض على بيع ما يقرب من 14000 خرطوشة ذخيرة للدبابات ومعدات للكيان المحتل، بقيمة 106.5 ملايين دولار، وبيع قذائف مدفعية 155 ملم والمعدات ذات الصلة بقيمة 147.5 مليون دولار.
وفي شهر مارس/ آذار، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن الولايات المتحدة وافقت بهدوء على أكثر من 100 صفقة عسكرية أجنبية منفصلة للكيان منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي - تصل إلى آلاف الذخائر الموجهة بدقة، والقنابل ذات القطر الصغير، والدروع الخارقة للتحصينات، والأسلحة الصغيرة وأشكال أخرى من الأسلحة والمعدات القاتلة.
وفي أعقاب مخاوف من داخل الحكومة الأميركية من أن عمليات نقل هذه الأسلحة والمعدات يمكن أن تنتهك القوانين التي تحظر المساعدة العسكرية الأميركية للقوى الأجنبية التي ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو منعت حركة المساعدات الإنسانية، فإن هيئات رقابية حكومية بدأت الشهر الماضي تحقق في بعض ما تقدمه الإدارة من أسلحة أميركية للصهاينة.
ورغم أن الكيان ينفي فرض قيود على وصول المساعدات الإنسانية، وتتهم حماس بتحمل مسؤولية سقوط ضحايا من المدنيين، لأنها تنشط في مناطق مدنية أو بالقرب منها، فإن إدارة بايدن اعترفت بأن الصهاينة ربما يكونوا قد انتهكوا القانون الإنساني باستخدام الأسلحة الأميركية، لكنها شددت في الوقت ذاته على أن المساعدات الأمنية يجب أن تستمر في التدفق للسماح للكيان المحتل بالدفاع عن نفسه.
وفي مايو/أيار، أعلن البيت الأبيض أنه أوقف شحن آلاف الأسلحة إلى الصهاينة، بما في ذلك قنابل مثيرة للجدل تزن 2000 رطل، في ظل مخاوف بشأن خطط الكيان لتوسيع عملياتها العسكرية في غزة لكن هذه الإدارة استأنفت بعد ذلك إرسال شحنة ذخائر تزن 500 رطل.
من جهتهم، قام العديد من حلفاء الولايات المتحدة – بما في ذلك بريطانيا وكندا واليابان وهولندا وإسبانيا وبلجيكا – بتقييد عمليات نقل المعدات العسكرية إلى الكيان الصهيوني بسبب مخاوف قانونية وسياسية بشأن استخدامهم المحتمل لارتكاب جرائم حرب، لكن لا يبدو مع قرار نشر صواريخ ثاد مع طواقمها في الكيان أن واشنطن في وارد التخلي عن التزامها بدعم الكيان دون هوادة.