نبيه البرجي
اذا كان المستشرق الأميركي ـ البريطاني الأصل ـ برنارد لويس قد وصف الشرق الأوسط بـ"العربة العتيقة التي تجرها آلهة مجنونة". في زمننا، ثمة حوذي مجنون قال فيه المؤرخ {الاسرائيلي} آفي شلايم، وهو استاذ للعلاقات الدولية في جامعة أوكسفورد البريطانية، "أن مشكلته في كونه لا يدرك ما تعنيه هذه المنطقة لا في جدلية الأمكنة، ولا في جدلية الأزمنة، ليغرق في القراءة العمياء للبعد الماورائي للتاريخ".
رهان بنيامين نتنياهو الآن على فوز دونالد ترامب في السباق الرئاسي، وقد قال فيه بوب وودورد وروبرت كوستا، في كتابهما "Peril "، حول أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، "اذا أردت أن تعرف كائناً بشرياً تخرج النيران من أذنيه، فهذا الكائن هو دونالد ترامب"، لينطبق هذا الوصف كلياً على رئيس الحكومة الصهيونية.
أيام على "الثلاثاء الكبير". منذ الآن بدأت تظهر المخاوف من عودة الرئيس السابق إلى البيت الأبيض، لا سيما من القادة العسكريين الذين خدموا معه. رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق الجنرال مارك ميلي قال "انه الشخص الأكثر خطورة على هذا البلد... انه فاشي حتى النخاع". وزير الدفاع السابق الجنرال جيمس ماتيس رأى فيه "العدو الحقيقي لأميركا"، ليضيف، في حديثه إلى مجلة "آتلانتيك"،"انه أول رئيس عايشته في حياتي لا يحاول توحيد الشعب، ولا يتظاهر حتى بالمحاولة. بدلاً من ذلك، يحاول تفكيكنا".
في كتابه "حرب مع أنفسنا"، الذي يروي فيه مذكراته في البيت الأبيض، اذا يحذر مستشار الأمن القومي السابق رايموند ماكاستر من أن "نكون على أبواب الحرب الأهلية" يقول فيه "انه الشخص الذي دفعه غروره ونرجسيته إلى التخلي عن قسمه بدعم الدستور، والدفاع عنه، وهو أعلى التزامات الرئيس"، ليصفه ستانلي كريستال، الذي أحدث ثورة في قيادة العمليات الخاصة المشتركة، وهي المسؤولة عن اغتيال أسامة بن لادن، بـ"غير الأخلاقي الذي يدير ظهره لمن وقف إلى جانبه".
اذاً، على من يراهن بنيامين نتنياهو ؟ في صحيفة "هاآرتس"، رأى روغل آلفر "أن الحرب الأبدية التي تقودها "إسرائيل" ليست مجرد صراع عسكري مع الأعداء الخارجيين، بل هي تستعمل كأداة لتأجيل حرب أهلية وشيكة في الداخل الاسرائيلي". انه الرجل الذي لن يلبث أن يرتطم رأسه، أخيراً، بجدار الدم.
ثمة منظّرون، ومؤرخون، كبار على ضفتي الأطلسي يرون أن القارة العجوز "بدأت رحلتها مع العقل"، بعد قرون من الصراعات العسكرية، بما فيها "حرب المئة عام" التي دامت 116 عاماً، بعد الحرب العالمية الثانية، التي بدت وكأنها نسخة عن التراجيديات الاغريقية الكبرى، وقد بلغت ذروتها بقنبلة هيروشيما. وهذا ما قد يحتاج اليه الشرق الأوسط، كما يرى قادة صهاينة كشفهم، في "لحظة فرويدية"، وزير التراث عميحاي بن الياهو الذي دعا إلى استخدام القنبلة النووية. ولكن ألا يرى عالم السياسة الفرنسي ايمانويل تود ان مثل هذه الحرب في منطقة تتقاطع فيها المصالح الكبرى، والاستراتيجيات الكبرى، قد تفضي إلى نهاية العالم ؟
اما حرب كبرى أو تسوية كبرى. الخياران مستحيلان في ظل الواقع الدولي، والاقليمي، الراهن. حرب في الشرق الأوروبي، وتدور في حلقة مفرغة، واحتمالات الحرب في الشرق الآسيوي، دون أن تكون هناك من آلية دولية لضبط الايقاع. تود يرى أن الاستقطاب الأحادي "أناط بوحيد القرن ادارة الكرة الأرضية".
غداة سقوط الأمبراطورية السوفياتية، أعلن الرئيس جورج بوش الأب قيام "النظام العالمي الجديد"، ودون أي خطوة نحو اعادة هيكلة العلاقات الدولية، ولا اعادة هيكلة المنظمات الدولية، وفي مقدمها منظمة الأمم المتحدة. عقّب زبغنيو بريجنسكي، الباحث المستقبلي، ومستشار الأمن القومي في عهد جيمي كارتر، "... بل انها الفوضى العالمية الجديدة"، لنشهد تبعات هذه الفوضى، خصوصاً في الشرق الأوسط، الذي لا يدري أحد من قادة الدول العظمى إلى أين تمضي به الرياح. بل إلى أين تمضي بالعالم..
لا يكفي أن يقول النرويجي يون فوسيه، الحائز على نوبل في الاداب، "إننا في عالم والت ديزني"، بعدما سبقه زميله في نوبل الياباني (الأميركي) كازوو ايشيغورو بالقول "لكأن دانتي، حين وضع "الكوميديا الالهية"، كان يتنبأ بالشكل الذي يأخذه العالم في هذا القرن".
بعيدون أن نكون أمام "يالطا أخرى". يالطا الأولى (1945 ) التي شارك فيه فرنكلين روزفلت، وجوزف ستالين، وونستون تشرشل، أنتجت "ثنائية القطب"، أي الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، بعدما كان ستالين قد وصف تشرشل ضاحكاً بـ"روح القدس"، لتنتهي الأمبراطوريتان البريطانية والفرنسية خريف 1956 على ضفاف السويس، بحركة من اصبع دوايت ايزنهاور الذي دخل إلى البيت الأبيض بالملابس المرقطة (وهو بطل الانزال في انورماندي)، ليكون الغروب الأوروبي، وبداية الزمن الأميركي.
الآن، وسط ضوضاء الدم، ماذا يريد بنيامين نتنياهو ؟ الزمن الاسرائيلي في الشرق الأوسط ؟ آفي شلايم اياه صرخ في وجهه "أيها الغبي، لعلك لا تذكر "ليلة الكريستال" في ألمانيا. ما تفعله شيء من هذا. انك تقطع رؤوسنا بسكين الفوهرر".