عدنان حسين أحمد
ينتمي الفنان التشكيلي علاء السريح إلى المدرستين التجريدية والرمزية وإذا ما شذّ عنهما قليلًا فهو لا يذهب أبعد من حدود المذهب التعبيري الذي يجد فيه بعضًا من ضالته الفنية التي يستقي مادتها من الولع بالمدينة، وربما تكون البصرة التي وُلد فيها عام 1965م هي نقطة الانطلاق صوب الأحلام والتجليات الفنية النابعة من مخيّلة مُجنّحة تحوم حول المدينة بما تنطوي عليه من مرافئ ومحطات سفر وأناس لا يكفّون عن المغامرة ومقارعة المجهول. في أواخر الثمانينات من القرن الماضي كان علاء السريح يخرج إلى الطبيعة ويرسم مشاهدَ كثيرة منها بإشراف الفنان فائق حسن والمبدع وليد شيت ولكنه لم يأخذ من تلك المرحلة سوى المسحة الانطباعية التي تتلاقح مع النزعة التجريدية التي كرّس لها جلّ حياته فأنجز أعمالًا فنية غاية في الروعة والإثارة والجمال. صحيح أن أعماله في معرض "ترانيم النهرين" ليست واقعية، كما هو الحال مع مُشاركيه الثلاثة علاء جمعة، ومحمد الدعمي وزيد الفكيكي، إلّا أنه استقر في منطقة محاذية للواقع وقدّم لنا ما جادت به قريحته الفنية التي تفيض بذكريات المدينة الأولى التي أنجبته وأخذته عنوة إلى رحلات متتالية لا تخلو من المتعة والدهشة والانبهار. ولمناسبة اشتراكه في معرض "ترانيم النهرين" بلندن التقته "الصباح" وكان هذا الحوار.
*هل تحتل الواقعية جزءًا من مساحة لوحتك أم أنها تتعشّق دائمًا بالتجريد والرمز أو ما يقاربهما في الأقل؟
-لا تحتل الواقعية أية مساحة في أعمالي الفنية المشاركة في هذا المعرض الجماعي المعنون "ترانيم النهرين"، فالأساليب والثيمات تجريدية رمزية، كما تعرف، لذلك سأكون مختلفًا عن الفنانين الثلاثة الآخرين الذين يشتركون في هذا المعرض ويتكئون على الأسلوب الواقعي ويقدّمون مشاهد واقعية مستوحاة من طبيعة العراق وبيئته الجميلة. تختلف أحجام لوحاتي هذه المرة وسوف أقدّم مشهدًا ملونًا يثير الدهشة والابهار، واستعمل تكنيكًا خاصًا في تنفيذ اللوحات بثيماتها المتنوعة التي ترصد جوانب متعددة من المدينة والموانئ ومحطات السفر الراسخة في الذاكرة. تنطوي اللوحات المشاركة بمجملها على مَشهدية بصرية محتفية بالألوان الساطعة والتقنيات الدقيقة المُرهفة والنابضة بالحياة.
*لا بدّ أنك تأثرت بفنانين واقعيين عراقيين أو عالميين، منْ هم هؤلاء الفنانون، وما هي ملامح هذا التأثر؟
- أنني أمحض الأعمال الفنية الواقعية سواء أكانت عراقية أو عربية أو عالمية حُبًا من نوع خاص. ومنذ تفتّح موهبتي الفنية وتطويرها في مرحلة الدراسة الأكاديمية كنت أستفيد من تجارب أساتذتي مثل الفنان فائق حسن الذي تعلّمت منه تقنيات وأساليب التلوين، ورسم الموديل، والخروج إلى الطبيعة حيث كان يشرف على الأعمال التي نرسمها في الهواء الطلق ويعطينا بعض الملحوظات الفنية التي تطوّر العمل الفني وتعمّقه، خصوصًا حينما يتدخل في اللوحة ويضع عليها بعض اللمسات التي تغيّر من تكوينها أو تمنحها أبعادًا جديدة ناضجة لم أنتبه إليها سابقًا، ولا أخفيك سرًا ان قلت إنني كنت سعيدًا وفخورًا بهذه اللمسات الخفيفة التي يضعها أستاذ بحجم فائق حسن. كما استفدت في الوقت ذاته من معلومات الأستاذ وليد شيت وطريقة تلوينه الواقعية الصرف، وتجربته المميزة بالرسم بشكل عام. وهذا الأمر ينسحب على الفنانين العرب الذين طوّروا ذائقتي اللونية والفنية. أمّا على الصعيد العالمي فقد أبهرتني تقنيات ورؤى الفنانين الكبار أمثال أوجين ديلاكروا وجون أوغست أنغرز ورمبرانت وجون لوي دافيد وآخرين شاهدت أعمالهم في المتاحف والكتب الفنية وتأملتها جيدًا واستفدت كثيرًا من طرق إخراج اللوحة بشكل عام.
*هل تؤمن بأهمية المذاهب الفنية ودورها في خلق أعمالك الفنية؟
-تنطوي المذاهب الفنية جميعها على أهمية خاصة في تجسيد اللوحة الفنية. فالمذهب أو التيّار هو الذي يدفع الفنان لخلق لوحة جريئة سواء في الخط أو اللون أو الحركة أو التكوين الذي ينضوي تحت يافطة مدرسة فنية معينة. وتنوّع المذاهب أو المدارس مهم جدًا فهناك الواقعية والتعبيرية والانطباعية والرمزية والتجريدية وصولًا إلى الفن المستقبلي الحديث، وتبقى خبرة الفنان وثقافته هي الفيصل في تحديد العمل الفني الذي يبدعه كل فنان على انفراد بعد أن يجد ضالته في مذهب معين أو في عدد من المدارس الفنية المذكورة أعلاه.
* ثمة مشتركات بينك وبين الفنانين الثلاثة الذين تشترك معهم في معرض "ترانيم النهرين" ما هي هذه المشتركات؟
- بالنسبة للمشتركات مع الفنانين الثلاثة الذين أشرنا إليهم سلفًا هي اشتغالي على لوحات تمثِّل العراق ومدنه بالذات، فهاجسي الأول هو بلدنا العراق وغناه الفني والثقافي لأني شعرت بأنّ هذه فرصة ثمينة لي وللفنانين الثلاثة أن نقدّم أعمالًا فنية عن بلدنا العراق بكل ما يحويه من رؤى فنية وإرث ثقافي كبير استفدت منه وأوحى لي بخلق أعمال تجسّد المدينة بكل تفاصيلها وطرقها وموانئها على المديات البعيدة. أمّا مشاعري الداخلية تجاه بلدي فهي مكنونة منذ الطفولة ولعل الفضل الكبير يعود إلى نشأتي الفنية التي تحفّزني لأن أقدِّم ولو الجزء اليسير لوطني من خلال الرسم التجريدي والرمزي. وعلى الرغم من أنّ أعمالي الفنية ليست واقعية مثل أصدقائي الفنانين الثلاثة لكنني أتمنى أن نحقق الهدف من هذا المعرض وإن اختلفت الرؤى وتنوعت المدارس
والتقنيات.