أوس الحبش
المقاومة رد فعل طبيعي ومشروع لأي شعب يتعرض لظلم من قوة خارجية (احتلال، استعمار، انتداب) أو من قوة داخلية ( دكتاتورية، اسبتدادية، شمولية). والمقاومة كانت الخيار الأول والوحيد لجميع شعوب العالم مِمَنْ تعرضوا لظلم وعدوان آثم وغاشم من القوى الاستعمارية على امتداد الخارطة. وفي التاريخ القديم والحديث الأمثلة كثيرة، وفي كل زمانٍ ومكان كانت بيئة المقاومة هي الهدف الأول لهجمات الاحتلال ولذلك تعرضت لاستهدافات ممنهجة وقتل مباشر ومتعمد بهدف إبعاد البيئة الحاضنة عن المقاومة.
ولكن هذا الاستهداف وبشهادة التاريخ وأحداثه كانت تجعل المقاومة أقوى والتفاف الجماهير حولها أشد وأمتن، لأن المُحتل ساوى بين المُقاتل والمدني، وأصبح الدفاع أمراً حتمياً على الجميع بما أن الخطر متساو عليهم كَكُل وليس خياراً، وصار حَمل السلاح والقتال الوسيلة الوحيدة للنجاة. ولذلك شعبياً، استمدت المقاومة من الشعب والشعوب المؤيدة الأخرى الشرعية بأنها الجهة الوحيدة التي تلبي متطلباتهم وآمالهم للتخلص من سُلطة الاحتلال والسبيل الوحيد لنيل الحرية والعدالة والحقوق.
وانطلاقاً من هذه الشرعية كانت المقاومة تزداد وتتصاعد وتيرتها وترتفع معادلة القوة حتى ولو تحالفت قوى العالم ضدهم.
وفي الشرق الأوسط لنا المثال الأسطع والأبرز عن محاولات إسقاط الشرعية الدولية والعربية والشعبية عن المقاومة وإظهارها ككيان شاذ لا يُمثل الشعب، ففي أوقات السلم حين تكون ساحة القتال هادئة، يُشعل العدو ساحة قتال أُخرى لا تَقِل شراسة وأهمية عن تلك التي تحدث في وقت الحرب وفي ميدان المعركة تُشارك فيها آلته الإعلامية، بما فيها منصات وقنوات عربية لا تستهدف المقاومة كمنظومة بل تستهدف بيئتها الحاضنة والرابط مع جمهورها لإسقاط شرعيتها وتشويه صورتها وإنزالها بمنزلة متساوية للاحتلال (المساواة بين الضحية والجلاد).
ومن أهم الأدوات التي تُستَخدم في هذه الحرب هي: الترهيب والوعيد، التقليل من أهمية العمل المقاوم، الاتهامات والمزايدات والمقاربة السخيفة بين العدو ومناهضته.
الترهيب والوعيد: تبرز مظاهرها في استخدام الخطاب الإعلامي كناطق عن مؤسسات العدو العسكرية والسياسية حيث تتجلى الحرب النفسية في الخطاب الإعلامي، كتهديد بيئة المقاومة بالقتل والتدمير والتهجير والحصار والعقوبات بغية التأثير على تلك البيئة وتخويفها بأن ثمن المقاومة ودعمها هو بيوتكم ودماؤكم وحياتكم.
التقليل من أهمية العمل المقاوم: تمارس الجهات الإعلامية في هذا الصدد دور الساخر، حيث يتم المقارنة بين آلة الدمار الوحشية للاحتلال وأسلحة المقاومة، حيث يتم التركيز الأساسي فيه على الضرر البسيط الذي يحدثه سلاح المقاومة كما يَدّعوا، أو المقارنة بين عدد الضحايا الذي يسقط في المجازر التي يرتكبها الاحتلال وعدد قتلى الاحتلال ويتم التركيز عليه جيداً دون أي ذِكر لاستراتيجية العدو الإعلامية المرتكزة على -إخفاء الأضرار والعدد الفعلي لقتلاه- بهدف إحباط الجمهور وزرع اليأس والاستسلام في نفوسهم. وتتجلى أيضاً في هذا الصدد حرب المصطلحات بهدف التقليل من قيمة العمل المقاوم كمصطلح (مسرحية، نفض الغبار عن الذقن، حفظ ماء الوجه، رد المقاومة لا يتناسب مع الضربة التي تلقتها.....الخ)، وكأن المنطق الذي يتبنونه هو مقارنة جيش نظامي مدعوم عالميا بتنظيم مُقاوم هو منطق سليم وصحيح، ودون النظر على أهداف الطرفين، فالاحتلال يهدف إلى القتل والإبادة، أما المُقاومة هدفها إرباك وإيلام واستنزاف العدو لتفشيل خططه.
الاتهامات والمزاودات: لا يخلو الخطاب الإعلامي المُناهض للمشروع المقاوم للاحتلال باتهامات سخيفة تَطول المقاومة وقاداتها والتشكيك بأهدافهم والمزايدة عليهم، متناسين أحقية القضية وبأنها من أعدل وأحق القضايا في العالم، حيث إن المقاومة وجمهورها وتضحياتها هي في سبيل الأرض والحقوق، وليس في سبيل النِفط والمكاسب السياسية والشخصية، حيث تنهال الاتهامات في هذا النوع من الخطاب من كل الجهات على المقاومة، وذلك لإبقاء الحاضنة في دوامة من الشكوك وإسقاط الشرعية عن المقاومة وأحقيتها. ومن الأمثلة عنها: حرب المصطلحات: كتسمية المقاومة بأذرع أو ميليشيات، ومن أخطر الأمثلة أيضاً: هو إخراج العرب والفلسطينيين من دائرة الصراع وتحويله إلى صراع يَخُص قِوى أُخرى، كالقول مثلا (الصراع الإيراني- الإسرائيلي) وإخراج الشعوب العربية من محور القضية.
المقاربة السخيفة بين العدو ومناهضته: تتمثل هنا بإنزال المقاومة منزلة النظير للاحتلال (المساواة بين الضحية والجلاد) والحديث عن قادة المقاومة كأنهم قادة سياسيون، وتوجيه الخطاب الإعلامي على أنهم يسعون إلى تحقيق مكاسب سياسية شخصية مُتناسين أن هؤلاء القادة لا يضمنون نجاتهم خلال المعركة ولا بعدها، فلأي مكاسب شخصية أو سياسية يسعون؟
وكما ذُكِرَ أعلاه بأن العدو في وقت السلم يفتح معركة إعلامية لتدمير بيئة المقاومة فإن المقاومة نفسها واعية عليه وبدورها تفتح جبهة وعي لمقاومة هذا الضخ الإعلامي، فمثالاً على ذلك نرى تجربة حزب الله مع جمهوره، فعلى الرغم من أن لبنان يحتوي على طوائف وأحزاب لا يكاد يتفق أحدهم مع الآخر، والظروف التي مرت بها المنطقة في السنوات الماضية تعرض فيها حزب الله وجمهوره لهجمة أيديولوجية شرسة لضرب بيئته ومجتمعه وتشويه صورته في الساحة محلياً وإقليمياً، إلا أن حزب الله نجح في بناء ثقة وعلاقة عاطفية مع جمهوره وأن قوته اجتماعيا لا تقل عن قوته عسكرياً وهذا كله بفضل انه استمد قوته من الناس بتجربة فريدة من نوعها في الوطن العربي، وعلى الرغم من النجاح النسبي الذي حققته الآلة الإعلامية، التي تبنت رواية العدو بإحداث ضرر في صورة حزب الله إقليمياً إلا أن الحزب استطاع كسب ثقة الشعوب العربية مجدداً عندما أعلن الاحتلال بدء الاجتياح البري في لبنان، ومنذ السابع من تشرين الثاني ومع ازدياد وتيرة المجازر والإبادة الجماعية من قِبَلِ الاحتلال ازداد معها الالتفاف حول المقاومة كحل وحيد للتخلص من الظُلم والاحتلال في غزة ولبنان وباءت معها كل محاولات الاحتلال ومن والاه في المنطقة لإسقاط الشرعية عن المقاومة بالفشل، فكلما زاد القتل زادت اللُحمة مع المقاومة تناسبياً، وستستمر ما استمر العدوان.
كاتب من سوريا