المقاتل المشتبك في مواجهة أعتى الجيوش

آراء 2024/10/31
...

 د.نازك بدير*

 

نطقت صورة العصا التي ألقاها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحي السنوار في وجه المسيّرة، بما تعجز عنه مئات الخطابات الجوفاء منذ بداية تأسيس الكيان الصهيوني. وكان الجيش الاحتلال قد نشر مقطع فيديو يُظهِر السنوار ملثّمًا يجلس على مقعد، وينظر باستهتار إلى مسيّرة صهيونية دخلت إلى المبنى، قبل أن يتمّ استهدافه بقذيفة مدفعيّة. 


ثمّة دلالات متعارضة تنضح من خلال الصورة-الأيقونة:

1 - العصا المسيّرة: بعد أن تكرّست لعقود معادلة العين تقاوم المخرز، اجترحَت صورة السنوار الأخيرة معادلة جديدة تُضاف إلى سجلّ بطولاته، وهي "العصا تقاوم المسيّرة". حُفِرت صورته وهو يمتشق عصاه في الذاكرة الجمعيّة، وستبقى ماثلة في عقول الأجيال القادمة وأذهانهم. بدت أشبه ب "لايزر" يوجّهه على المسيّرة، فتنطفئ الصورة- الصهيونية، و"يحيا" السنوار.

2 -  البطل الأسطوري الكيان الأكذوبة: جسّد السنوار صورة البطل الأسطوري؛ على الرغم من إصابته إصابةً بالغة في يده اليمنى، بيد أنّه لم يضعف، استمرّ في القتال حتى الرمق الأخير. قدّم أمثولة في الاستبسال دفاعًا عن الأرض في وجه المغتصبين.

3 - الداخل - الخارج: كرّست صورته معادلة بيِّنة مايزَت بين صاحب الحقّ في داخل المبنى: يُنتهك الدار بما يمثّل( فلسطين المحتلّة) العدوّ يتسلّل من فتحة النافذة.

4 - القوّة الداخليّة- الاستقواء بالتكنولوجيا: بكل هدوء وثبات وعزم ويقين، يبدو يحيى السنوار جبلاً منيعًا هازئًا بعدوّه الضعيف المفتقِر إلى ما يملكه أهل الأرض من شحنات قوّة وعزيمة لا تلين. فيما جيش الاحتلال يحتمي بالحديد والنار، ويتخفّى وراء سياج هشٍّ من التكنولوجيا، التي لم تلبث أن انقلبت مفاعيلها عليه.

5 - المواجهة- العجز: عاش السنوار واستشد كما أراد مقاومًا مشتبكًا، يتصدّى وحيدًا لقوّات الاحتلال غير عابئ بها. في المقابل، يعجز العدوّ عن مواجهة أيّ مقاوم. يستكبر عبر الأسلحة النوعيّة، لكن، هذه الأخيرة، لم تجدِ نفعًا في معركة الصورة والكرامة.

6 - الصمود- الانسحاب: السنوار، في اللحظات الأخيرة، جالس على المقعد، ملثّم بالكوفيّة، لم يترك السلاح: هو أنموذج عن المواطن الفلسطيني المتلصق بأرضه لا يتزحزح مهما كان الثمن. هو جيش بحدّ ذاته. هو الحدود، والخط الفاصل ما بين الحق والباطل، ما بين الكرامة والعار، ما بين نكون أو لا نكون. هو المفرد الوحيد في مواجهة الجمْع.

7 -  التحدّي -الخوف: لم يجرؤ العدوّ على اقتحام المبنى، في حين أنّ السنوار، على الرغم من إصابته البليغة، أصرّ على تحدّي الصهاينة، وهم يجهلون هويّته، ولم يتأكّدوا منها إلّا بعد إجراء فحوصات الحمض النووي.

8 - التضامن- النبذ: نشَر جيش الاحتلال مقطع الفيديو لإهانة رئيس حركة حماس، لكن الصورة أعطت دلالات معاكسة تمامًا؛ تحوّل إلى أيقونة للمقاومة، وخلقت تضامنًا وتفاعلًا معه، ورفضًا لسياسات الكيان الممعنة في الإجرام والوحشيّة. 

9 - الظهور- الاختباء: دحضت الصور التي بثّها جيش الاحتلال مزاعمه عن وجود السنوار في الأنفاق، فإذا به يظهر مقاتلًا مشتبكًا على الخطوط الأماميّة في مدينة رفح.

10 - الانتصار- الهزيمة: يمكن القول إنّ مقطع الفيديو لمهندس طوفان الأقصى وهو يرمي المسيّرة بالعصا ساهم في تثبيت دعامات جسور حول عقيدة الدفاع عن الأرض والتمسّك بالحقّ، وأنّ الانتصار آت لا محال. 

سيبقى مَن رسم خارطة الطريق بدمه، ووشّاها بكوفيّته، وحرسها بعصاه حاضرًا في الوجدان والتفكير، سواء عرضوا المقاطع أم أخفوها. التاريخ أثبت مرارًا أنّ صوت الحقّ سيصدح، ولو بعد حين.


باحثة وكاتبة لبنانيّة