حيدر زوير
واجه الشعب والحكومات العراقية بعد 2003، في المرحلة الأولى ارتدادات حدث 9 نيسان 2003، وهم المتضررون من الحدث داخليا وخارجيا والمُحتل، واستمر هذا التحدي إلى نهاية حكومة العبادي 2018، وعلى طول تلك الفترة لم تكن التحديات هي مجرد ارتدادات التغيير بيد انها كانت التحديات الاولى والأهم، ومنذ حكومة عادل عبد المهدي، تغير جنس التحديات والمواجهات، إلى ارتدادات ذات النظام، أي عصبيات التأسيس" الطائفية"، وفشل الإدارة والفساد والصراع على المصالح، خاصة مع دخول أجيال ما بعد حكومة البعث صدام إلى ساحة التأثير العام، مستفيدة من تطور تكنولوجيا التواصل الالكتروني، وحتى تلك التحديات التي واجهها العراق خارجيا" ايران، امريكا، تركيا، سعودية ..الخ" هي في الواقع ترتبط بنظام " الأدق عملية لم وليس نظاما" ما بعد 2003 اكثر منها مرتبطة بهذه الاطراف من غير نفي للإرهاق الذي تسببت به مصالحهم في العراق .
ومع انتخابات تشرين الأول 2021، بلغنا مرحلة ثالثة، وهي انحسار التحدي بين المتنازعين على السلطة، واعتزال غالبية الشعب العراقي ليس عن المشاركة الانتخابية فحسب، بل عن الاهتمام، بلغ الامر بسبب تنامي الفساد والسوء، إن العراقيين لم يعد يعنيهم ما يحصل مهما كان حدثا مريعا. وهذه المرحلة كانت تكشف عن ان ما قام بعد 2003 وصل لنهايته، وشيئا فشيئا ستعرف القوة الدولية ان عليها التدخل وإعادة بناء عملية جديدة على ركام العملية الفاشلة، ليس من أجل العراقيين بل من أجل مصالحها.
في هذه الحقبة دخل السوداني فاعلا في هذهِ المرحلة، وكان عنوانه الأول ممثلا عن أحد أطراف الصراع، لكن شيئا فشيئاً أقنع الجميع أنه يشكل مسارا مختلفا وإن كان بشكلٍ غير راديكالي، وفي خطوات كر وفر حين المواجهة، تمثلت مغايرته بالتركيز على العمل دون الصراع، وعلى المداراة من دون المواجهة، لكن هذا تكتيك لن يصمد ويحقق نتائج طيبة أمام لاعبي هذه المرحلة، وحين عمد لأكثر من مرة لخوض مواجهات نصف أو أقل من ذلك، كان يواجه قسوة بلغت حد أنها ستودي بمساره الخاص، لكنه في جوانب أخرى استطاع أن يحقق بعض التقدم، وأبرزها سيطرته إلى الآن على تقييد الأطراف من انجرار العراق إلى المواجهة الشرسة للحرب الإقليمية، والحفاظ على استقرار نسبي للعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وايران والمحيط العربي، فضلا عن النتائج الداخلية.
برزت مغايرة السوداني بشكل واضح في الأشهر الاخيرة مع ملفات التنصت، والفساد؛ والتعديل الوزاري؛ واحتكار السلطة بالمؤسسات البيروقراطية، وتفعيل دور السلطات بعيدا عن الاستعمال السياسي الحزبي لها، خاصة التشريع والرقابة والقضاء، وهو الأمر الذي وضع السوداني رغم الحذر في مواجهة، فرضت عليه رفع مستوى الواقعية في مساره، من أجل الاستمرار في هذه المرحلة رغم التراجع هنا وهناك، وتجميد الفعل الضروري في ملفات لن يسامح الشعب العراقي في عدم حسمها
ومع دخول حكومة السوداني في عامها الثالث، صار واضحا أكثر من أي وقت مضى، خاصة أن الحرب على لبنان أوشكت على نهايتها؛ صار عليه أن ينتقل إلى إعلان أكثر صراحة لدوره في هذه المرحلة، فمنذ أشهر حسم أمر كنا قد قلناه قبل أكثر من سنة، أن السوداني ليس عليه أن يكون معبرا عن أيٍ من قوى الاطار التنسيقي، وما دامت هذه هي السنة 2025 هي السنة الانتخابية، فليس أمام السوداني إلا الانتقال إلى مرحلة أكثر راديكالية في مواجهة ما ينبغي مواجهته من أجل المصالح العراقية، وعلى رأسها ملفات الفساد الكبيرة، والتعيينات غير المقبولة، وتغيير المسؤولين الفاسدين والفاشلين، والعمل في مجالات محرمة من أجل مصالح حزبية، فضلا عن خطاب "أنا" واضح لمساره ومشروعه، في قبال " أنت" الذي لديه تاريخه وخصوماته وتجربته، فليس على السوداني أن يتحمل جريرة الآخرين ويدفع ثمنها، وليس عليه أن يتحمل ما حصل في حكومته من أفعال غيره، وليس عليه أن يظهر أمام الجميع بمظهرٍ هو مظهر المرفوضين من قبل العراقيين، وعليه أن يقول من هو بشكل واضح.