من النبي آدم (ع) الذي يقال انه هو أول من قال شعراً في رثاء ابنه هابيل الذي قتل على يد أخيه قابيل، فقال فيه:
بكــت عــينـي وحـق لـها بكاهـــا ودمــــع الـــعـــين منهمل يسيح
فـــمـا لـي لا أجــود بسـكـب دمع وهـابــيل تضمّنـه الـضــريـــــح
أو من «العنبر بن عمرو بن تميم» الذي يقال إنه أول من قال شعراً.. نزولاً الى الشعراء الشباب اليوم، مروراً بامرئ القيس والفرزدق والمتنبي وولادة بنت المستكفي والخنساء وصولاً الى الجواهري وأحمد شوقي ومحمود درويش وغيرهم.. يدور السؤال من منهم حاز وتفرد بلقب «الشاعر/ة الكبير/ ة»؟
اليوم نعيش في سؤال من هو الشاعر أو الشاعرة الأكبر لا فرق بين الاثنين؟ ويبقى الجواب بحاجة الى سؤال مرادف، هل لدينا شاعر كبير يحمل اللقب مشفوعاً بمرسوم ثقافي أو مؤسساتي!! وهل الشاعر بحاجة الى مراسيم تمنحه الصفة أم الى جمهور يعرف حجم إبداعه ويهتف له بأعظم الألقاب من دون الحاجة الى صيغ رسميَّة أو منظماتيَّة!
الأغلب الأعم يعتقد أنه الأهم، وان الساحة لا تقبل المنازلة إلا مع الأنداد، وحين يضيع معنى الند تقف الساحة صامتة بانتظار مبارزيها في مجال الإبداع المميز، لكن ان يعطي الشخص لنفسه ألقاباً أو يعطيها له من له مصلحة معينة معه فتلك ثلمة يفترض بالمبدع الحقيقي أنْ يرفضها ولا يسهم في ترويجها وكأنه فعلاً قد نال اللقب باستحقاق إبداعي لا شائبة فيه.
الألقاب التي تأتي من فراغ تذهب الى ذات الفراغ بسهولة لتصطدم بجدران المحدوديَّة ولا تجد أفقاً متسعاً لتمتد من خلاله دون مساعدة من أصوات نشار، فتأخذ مداها للوصول الى أبعد متلقٍ في هذا الكون الإبداعي المفتوح.
حين وصلتنا أسماء كبار المبدعين أمثال لوركا وبابلو نيرودا وهيغل ودافنشي وبيكاسو وقبلهما أفلاطون وسقراط والخنساء ولبيد وجرير وابن رشد وابن سينا، لم نسألهم من أعطاكم اللقب لكننا وجدنا إبداعاً مميزاً يستحق فعلاً أنْ ينال أرقى الألقاب من دون أن يدخل في صفقات الهبات والمنح والصفقات ما بين المرسل والمستقبل، ومن دون أنْ يقدم ابتسامة صفراء لينال منها مكرمات الرضا من آخر يفكر كم سيستفيد من مرسلها!!
الصفات الباذخة التي تنزل الآن حسب «المواسم» باتت عبئاً ثقافياً وأدبياً على المشهد المحلي وفرصة للتندر والسخرية من كلمة «المبدع والإبداع» ولم يعد بالإمكان التفريق بين الصح والخطأ بعد أنْ اشتبكت التوصيفات وضاعت الحقائق ودخلت الثقافة في ذات منطقة السياسة والسلطة حين تنزل المجاملات والمحاباة على كتف من يتصدر الواجهة تزلفاً ومدحاً فارغاً بهدف حصول المكاسب أو الظهور على مشهد المنصات التي ضاعت قدسيتها بسبب الاستهلاك غير الهادف والنحول الفكري المصاحب.
الألقاب العظيمة تفقد هيبتها إنْ استخدمت جزافاً، والصفات الكبيرة تبقى كبيرة لمن يستحقها وليس لمن يقطف ثمار مرحلة آنية سرعان ما تتلاشى بانتهاء الظرف الذي أوجدها.