سناء الوادي
معركة انتخابية حامية الوطيس تشهدها الانتخابات الأميركية في اللحظات الأخيرة بين المرشحَين الرئيسَين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كاملا هاريس، وفي واقع الأمر فإنَّ الفائز بهذا الكرسي سيقرر مسار السياسة الأميركية لأربعة أعوام مقبلة ما سيرخي بظلاله على دول العالم كافة، غيرَ أنَّه من اللافت في هذه الدورة الانتخابية تركز الجهود الإعلانية والمالية لكليهما، حول أصوات العرب والمسلمين في الولايات المتأرجحة السبع، والتي لطالما كانت تشكل النقطة الفاصلة للفوز بسكنى البيت الأبيض.
وفي هذا السياق لا بدَّ من التنويه إلى أنَّ العرب الأمريكيين وكذلك المسلمون الذين باتوا يشاركون في الانتخابات، هم من الجيل الأول ولم يمنحوا فرصة المشاركة في الحياة السياسية العامة إلا منذ عقدٍ من الزمن وكانوا فيما سبق يرجحون كفة الميزان لصالح الديمقراطيين في الولايات، التي يقطنها غالبيتهم والمحسوبة من ضمن الولايات المتأرجحة وعليه فإن بايدن يدين لهم بفوزه على ترامب في انتخابات 2020م.
لكنَّه وعلى خلاف المتوقع فقد قررت هذه الفئة الآن الانخراط في تشكيل البنية السياسية في المجتمع الأمريكي بطريقة احتجاجية مثيرة للجدل في خطوةٍ لربما تمهّد الطريق لولادة حزب ثالث ينافس الحزبين المسيطريَن في الانتخابات القادمة، ما يعتبر صفعة على خد الديمقراطيين بعد سياستهم المنحازة بشكل صارخ ومتطرف لآلة القتل الصهيونية في الشرق الأوسط وهنا أقصد " حزب الخضر" الذي رشح جل ستاين لتمثيله حيث كانت أولى مطالبها حظر بيع السلاح للكيان الصهيوني.
هذا وإنَّ المتابع عن كثب لمجريات الانتخابات ووفقاً لآخر استطلاعات الرأي يدرك أهمية الأصوات العربية والمسلمة فقد وصل الأمر بالملياردير إيلون ماسك عرض مبلغ مليون دولار لكل شخص يصوت لصالح ترامب في الولايات المتأرجحة هذه، ناهيك عن صرف مبلغ 538 مليون دولار على هيئة إعلانات موجهة للناخبين في بنسلفانيا وحدها لكلا المرشحَين للحصول على اصواتها التسعة عشرة في المجَّمع الانتخابي، ما يُظهر جلياً كمّ المال المظلم الذي يُضخ في أكثر الانتخابات ـ ديمقراطية ـ في العالم.
فهل هذه الخطوة اللافتة التي قام بها العرب والمسلمون هناك والنية للتصويت لحزب الخضر كمحاولة لتفتيت الأصوات، التي كانت مضمونة قبل ذلك للديمقراطيين، ستكون درساً ناجعاً في المستقبل لمن سيقطن البيت الأبيض، بألا يتجاهل حقوق ومطالب العرب فيما سيأتي من الأيام، وهل هذه الهزة القوية ستحمل في ثناياها هزات ارتدادية قادمة ككسر الجمود، الذي تشهده الولايات الرئيسة الكبرى من الولاء المطلق لأحد الحزبين مهما كان مرشحه والتحرر من الانتماءات الحزبية، التي تخالف نوعاً ما روح الديمقراطية، التي بني على إثرها هذا النظام الانتخابي المميز، وعليه فلا نستهجن وصول عرب أمريكا إلى هذه القوة بعد معرفتنا بمدى تأثيرهم على الاقتصاد الأمريكي، فقد بلغت كمية إنفاقهم 650 مليار دولار خلال السنوات العشر الماضية، ولربما كانت اجتماعات ترامب مع قادة القوى العربية والمسلمة في هذه الولايات ومنها اجتماعه مع عمدة مدينة هامترامينغ في ولاية ميتشغان السيد عامر غالب ومساومة الأخير له على تحقيق مطالب تتمثل بإحلال السلام ووقف المجازر في فلسطين، وموافقة ترامب مقابل الحصول على أصوات الولاية.
وعليه فإن المرشحة ستاين وبمجرد حصولها على 5% من الأصوات فإن ذلك كافٍ للحصول على دعم الفيدرالي وبروز حزب ثالث ينافس في الانتخابات القادمة، كذلك فمن الضرورة بمكان أن أشير إلى أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء ولايته وتحديداً في العام 2017م بحظر سفر المسلمين إلى أمريكا هو من أسس لقوة يمينية كانت مفاجئة لهم في نيويورك رفعت الصوت عالياً وقتها، وكانت بالنسبة لهم مؤشراً مهمّاً لضرورة الولوج في اللعبة السياسية الكبرى في أمريكا واستخدام قوتهم الاقتصادية للتأثير في تحقيق مطالبهم، وبناءً عليه نرى الآن ما نراه من اجتماع غالبية المسلمين والعرب على ضرورة توجيه هذه الرسالة للديمقراطيين والجمهوريين كحدٍّ سواء، علَّه يكون في طيات ذلك إشعالاً للفتيل، الذي يكوّن لوبيا عربيا مسلما يكبر شيئاً فشيئاً ولربما ينضم إليه أثرياء ومجموعات تريد التأثير في سياسة الدولة العظمى، بما يماثل اللوبي الصهيوني الذي يشكل أكبر عامل ضاغط على دفة القيادة السياسية الأمريكية.
كاتبة وإعلامية سورية