هاريس أو ترامب.. أيّهما يحقق المصالح الإيرانيَّة؟

آراء 2024/11/05
...

 محمد صالح صدقيان

لايختلف اثنان في أن كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة عملا ما بوسعهما من اجل محاصرة إيران واحتوائها؛ وساهما في الحرب التي واجهتها كما تورطا في العقوبات التي واجهتها منذ ولادة ثورتها وما زالت.

ربما يعتقد البعض ان طهران ستكون أكثر ارتياحا إذا ما فازت المرشحة الديمقراطية كاميلا هاريس في انتخابات الخامس من نوفمبر، لكننا يجب أن نتذكر أن الديمقراطي جو بايدن في فترة رئاسته لم يعمل من أجل العودة للاتفاق النووي الذي ساهم في التوقيع عليه سلفه الديمقراطي باراك أوباما، علی الرغم من وعوده اثناء حملته الانتخابية بالعودة لهذا الاتفاق.
قد اتفق مع هذا الرأي في إطار أن طهران تعاملت مع الديمقراطيين للتوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015 ولربما تمتلك آليات تستطيع أن تستخدمها وتجيد استخدامها للدخول في مباحثات محتملة مع واشنطن؛ وهي تعرف نوايا وآليات وسلوك الديمقراطيين، لكن في غير ذلك لا توجد حسنة يمكن أن يقدمها الديمقراطيون يسيل لها لعاب الإيرانيين المتحمسين لإزالة العقوبات خصوصا في عهد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.
في شهر يناير كانون الثاني الماضي عقد اجتماع غير مباشر بين إيران وأمريكا في سلطنة عمان بطلب أمريكي وبمساعدة عمانية لاستكمال المباحثات بين الجانبين والتي توقفت بسبب أحداث السابع من اكتوبر بعدما توصل الجانبان إلى اتفاق يقضي بالإفراج عن بعض العوائد المالية الإيرانية المجمدة، إضافة إلی تبادل السجناء، لكن الوفد الإيراني فوجئ بطلب أمريكي لبحث التصعيد في البحر الأحمر الذي أشرفت عليه حكومة صنعاء، الأمر الذي امتنع الوفد الإيراني مناقشته لسبيين، الأول: انه لا يملك صلاحية مناقشة هكذا مواضيع مع الوفد الأمريكي، والثاني: هو موقف إيران الذي لا يريد مناقشة هكذا ملفات مع جهة خارجية لأنه لا يملك صلاحية أو تخويلاً من جهة ثالثة لمناقشة مثل هذه الملفات.
ومنذ السابع من اكتوبر 2023 تلقت طهران عدة رسائل من الجانب الامريكي كانت جميعها تحمل فكرة واحدة وهي ضرورة ضبط النفس ودعوة الأصدقاء لعدم التصعيد من أجل افساح المجال للجهود الرامية لوقف إطلاق النار في غزة. وقد أجرى وزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن أكثر من عشر زيارات للمنطقة ودخل بأكثر من جهد لوقف اطلاق وتقدم بأكثر من مشروع لإنجاز هذه المهمة، لكنها اصطدمت جميعها بتعنت رئيس الوزراء الاسرائيلي وحكومة الحرب الاسرائيلية ولم تستطع إدارة بايدن ممارسة ضغوطها علی نتنياهو "أو لأنها لا تريد"، لوقف اطلاق النار، بل على العكس من ذلك استمر الجسر الجوي لنقل الاسلحة كما استمرت السفن البحرية بنقل السلاح والصواريخ للكيان الصهيوني لقتل الاطفال والنساء والمدنيين في غزة ولبنان. وعندما قام الكيان الإسرائيلي بانتهاك السيادة الإيرانية واغتيال اسماعيل هنية وسط العاصمة الإيرانية طهران لم تتحرك واشنطن لإدانة هذا العمل، بل إنها عرقلت عقد اجتماع مجلس الأمن الدولي ومنعت من صدور إدانة للكيان، الذي يلقی دعما مفتوحا وعلی جميع الأصعدة من الإدارة الأمريكية.
هذه هي صفحة من كتاب أعمال الديمقراطيين حيال إيران وحيال الحرب التي شنها الكيان الإسرائيلي ضد غزة بعد أحداث السابع من اكتوبر.
اما الجمهوريون فهم أكثر من الديمقراطيين وضوحا في عدائهم للنظام السياسي في إيران. فهم الذين وقفوا مع صدام حسين في حربه ضد إيران، وقد قام وزير الدفاع الجمهوري دونالد رامسفلد بزيارة بغداد والتقی صدام، حيث قام الجانبان بتقييم الأوضاع ووضع خارطة طريق للتعاون العسكري والمعلوماتي والامني الموجه ضد إيران. الجمهوريون وضعوا إيران في محور الشر بعد الحرب الافغانية وفرض المزيد من العقوبات، حتی عندما دخل الرئيس باراك أوباما البيت الأبيض، فكر في العام الأخير من ولايته الثانية فتح باب المباحثات مع إيران بمساعدة سلطان عمان الراحل قابوس بن سعيد، وتوصلت لعقد الاتفاق النووي في يوليو تموز 2015. لكن الرياح لم تسر بما تشتهي السفن، فقد أقدم الرئيس الجمهوري دونالد ترامب على الانسحاب من هذا الاتفاق ليعيد الأوضاع إلى المربع الأول، وفرض المزيد من العقوبات التي قال إنها سابقة في العقوبات الأمريكية ضد دولة أخری.
الآن، هل إن طهران يجب أن تفرح بفوز هاريس أم بفوز ترامب؟ الجواب علی هذا السؤال بسيط جدا، لأنها يجب ألَّا تحزن ولا تفرح مهما كانت النتائج. يوم 6 نوفمبر هو ذاته يوم الثالث من نوفمبر. لا أحد يجب أن يحزن ولا أحد يجب أن يفرح ؛ لا في إيران ولا في غيرها لإن قاعدة "اسرائيل أولا" ما زالت تحكم السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الاوسط ؛ لذلك فإن التفكير بعقل إسرائيلي ما زال هو الحاكم! والتنفس برئة إسرائيلية شرق أوسطية هي الحالة الطبيعية! والنظر لهذه المنطقة بعيون اسرائيلية هي السائدة في واشنطن.
لكن وبالرغم من كل ذلك، فإن الاجواء السائدة في طهران تميل للمرشحة الديمقراطية كاميلا هاريس؛ لكني أری غير ذلك. وهذا يحتاج لمقال آخر.