زائر من المستقبل

ثقافة 2024/11/05
...

 فراس عبد الحسين

باتت الأرض تعاني  تغير المناخ والحروب والأوبئة والتلوث البيئي والإشعاعي. الناس يعيشون محتجزين في مدن ضخمة محمية بقباب زجاجية، يستخدمون التكنولوجيا المتطورة في العمل والترفيه والتواصل فيما بينهم. باتت حياتهم رتيبة ومملة، بلا معنى أو هدف .
في أثناء المساء عماد جالس في غرفته يتصفح الإنترنت بملل. فجأة، سمع صوت طرق على بابه. فتحه ووجد رجلا غريبًا يرتدي ملابس غريبة، يحمل بيده حقيبة جلدية، يبدو مرهقًا ومتسخًا ومخيفًا.
سأله بخوف: من أنت؟  قال الرجل: أنا زائر من المستقبل، لا وقت للشرح، أحتاج إلى مساعدتك. ودخل إلى الغرفة دون استئذان.
- انتظر، لماذا دخلت، اخرج من هنا بسرعة!
- لا تخف، لن أضرك. أنا هنا لإنقاذك. وأغلق الرجل الباب خلفه.
كشف الزائر له عن حقائق مذهلة عن الماضي والحاضر والمستقبل، وطلب منه مساعدته في إيقاف خِطَّة شريرة تهدد حياة البشرية. أخبره بأنه جاء من عام 2200، حيث تسيطر على العالم منظمة سرية تُدْعَى "النظام الجديد" تستخدم تكنولوجيا متطورة للتحكم في عقول الناس وجعلهم عبيدا للعمل في المصانع دون أجر. وأنه كان عضوا في مجموعة من المقاومين الذين حاولوا محاربة النظام، لكنهم اُكتُشفوا وتمت ملاحقتهم. وقد نجا منهم بأعجوبة، بعد أن تمكن من سرقة جهاز زمني من قاعدة سرية، واستخدمه للهروب إلى الماضي، من أجل تغيير كل شيء قبل فوات الأوان.
-  حسناً. ما اسمك ومن أي بلد أنت.ولماذا جئت إلى هذا الزمان دون غيره؟ سأل عماد بفضول.
 - ليس لدينا أسماء في زماننا، بل نحن مجرد أرقام.وليس لنا وطن محدد ننتمي إليه، فكل الأرض وطن الجميع، يمكننا التنقل فيه أينما نشاء وبسهولة تامة. جئت إلى زمانكم فقد بدأ منه كل شيء، فقد اُختُرِع المولّد! - وما هذا الشيء؟  - أنه جهاز يستطيع توليد طاقة لانهائية من مصادر غير معروفة، وهو ليس مصدراً للطاقة فحسب بل هو سلاح دمار شامل، يستطيع تغيير واقع الزمان والمكان، ويمكن تحويله إلى قنبلة نووية!
- لكن لماذا؟
- لأن النظام الجديد ينوي تغيير التاريخ وإعادة كتابته حسب رغبته، لذلك يجب تدميره قبل أن يصبح نشطًا.
-أين تجده؟
-مخبأ في مكان سري في صحراء كربلاء.
- هي ليست بعيدة.
-نعم، لذلك اخترتك. لأنك الشخص المناسب لمساعدتي في العثور على المولّد، وتدميره قبل فوات الأوان.
 - وإذا لم نتمكن من العثور عليه؟
- ستكون نهاية كل شيء. نهاية العالم.
فكر عماد بالأمر كثيرا قبل أن يوافق على طلبه. فتح الزائر حقيبته، وأعطاه ملابس خاصة مضادة للإشعاع مزودة بقناع للتنفس، ثم خرجا معاً إلى مركبة متوقفة في الخارج. كانت تبدو سيارة اعتيادية من الخارج، لكنها من الداخل مجهزة بتكنولوجيا متطورة من المستقبل.
شغل الزائر المركبة، وأدخل إحداثيات موقع المولّد في نظام الملاحة. ثم قادها بسرعة عالية نحو مكان ما في صحراء كربلاء.
- كيف عرفت موقعه؟
- من خريطة سرية حصلت عليها من قاعدة النظام الجديد، عندما كنت جاسوسًا اعمل لصالحهم. فقد كنت أحد ضحاياهم. كنت أعيش حياة سعيدة مع عائلتي في بيت جميل، اذهب إلى العمل، وأعود منه ولا ينقصني من نِعم الحياة شيء. قبل أن يأتي النظام الجديد، ويدمر كل شيء. لقد اختطفوني وحولوني إلى "فأر مختبر" اجروا عليّ تجارب غيرت جسدي وعقلي وطريقة
تفكيري. قبل أن أتمكن من الهرب على أيدي مجموعة من الأصدقاء القدامى، وهم أعضاء في تجمع مقاوم للنظام. تمكنوا من مساعدتي واستخدام قدراتي الجديدة التي اكتسبتها من التجارب العلمية في القدرة على التخفي والتسلل والقتال والتضحية بحياتي من أجل انقاد العالم. حتى عرفت حكومة النظام الجديد بأمري، ودمروا كل القدرات التي كنت أتمتع بها. فقررت الهرب إلى الماضي وتغيير كل شيء من الأساس. استمر الحوار بينهما، حتى وصلا إلى المكان.
معسكر ضخم محاطًا بسور عالٍ، محمي بأجهزة إنذار وكاميرات مراقبة وجنود مسلحين.
أوقف المركبة في مكان قريب وترجلا منها. أخذ الرجل من الحقيبة سلاح متطور، وأعطاه إلى عماد، ثم أخذ من جيبه جهازًا صغيرًا يشبه الهاتف المحمول. ضغط على زر فاختفيا عن النظر لفترة مؤقتة، ضغط على زر آخر، وأخذ يتحكم في المركبة عن بعد، حركها، وقادها بسرعة عالية نحو السور وفجرها فيه.
انطلقا ودخلا من مكان الانفجار إلى باحة المعسكر، تتبع الرجل موقع المولد على شاشة الجهاز حتى وصلا قاعة كبيرة تضم أجهزة وأسلاك متشابكة وشاشات حاسوب. حتى وصلا إلى جهاز كبير يشبه خزانا مغطى بالصفائح المعدنية. اقترب منه، أخذ من الحقيبة قنبلة، وضبط المؤقت على عشر دقائق. وقال: أنها قنبلة نووية. يجب أن نهرب قبل أن ينفجر كل شيء،. هيا اركض بسرعة.
ركض الاثنان من باب القاعة نحو الفتحة في السور، وظهرا للعيان بعد أن انتهى توقيت جهاز الإخفاء. أطلقوا النار على الجنود، وحاولوا تجاوز الأجهزة الكاشفة والكاميرات الحرارية. لكنهما لم يتمكنا الوصول إلى السور، انفجر المولّد بقوة هائلة، وأحدث دويًا عظيمًا وضوءًا ساطعًا.
تهاوت المباني والسور والأشجار والسيارات القريبة. انتشرت موجة من طاقة غامضة في كل إرجاء المدينة، وبدأت تغيير واقع الزمان والمكان.
- ماذا يحدث؟ صرخ عماد برعب.
- لقد نجحنا! صرخ الرجل بفرح.
شعر الاثنان بصدمة قوية. تلاشى كل شيء، واختفيا من
الوجود.