نرمين المفتي
سبق أن كتبت عن الإرهاب الإعلامي الذي كان يستهدف العراق قبل الحرب الطائفية والتي أوقفها العراقيون بدمائهم، والتي خفتت قليلا بعدها، لتعود بقوة مع احتلال الظلاميين لمحافظات عراقية. كانت فضائيات عراقية تمعن في صب الزيت على النار لتستمر الخلافات، فضائيات بأجندات طائفية مقيتة، كل طائفة دينية أو عرقية تتهم الأخرى، ويتحدث ضيوفها بما يتناسب مع أجندة القناة والكتلة السياسية التي تدعمها. مما لا شك به أن الإرهاب الإعلامي أشد من الإرهاب الظلامي في ظل عدم القدرة عن مواجهته، خاصة مع انتشار منصات التواصل الاجتماعي وارتفاع عدد الجيوش الالكترونية. لست بصدد الحديث عن الوضع العراقي، إنما سأتحدث عن الوضع في لبنان، والذي يستهدفه إرهاب رقمي وهو أشد فتكا من الإرهاب الإعلامي، علما بأن هكذا ارهاب لم يتمكن من التأثير في الوضع في غزة، بالرغم من المحاولات التي لا تزال مستمرة، وكأنها تسير (يدا بيد) مع أجندات بعض الفضائيات العربية التي تبرع بدس السم بالعسل، ربما لأن غزة لا اختلاف مذهبيا أو اثنيا فيها، لكن الوضع في لبنان مختلف جدا، بسبب التنوع الديني والمذهبي ونسبة صغيرة من تنوع إثني.
نقرأ في التاريخ اللبناني عن حروب أهلية دامية ومدمرة، ودائما هناك تنديد بالمحاصصة، التي كانت ولا تزال تهدد إاشعال نزاع داخلي. الآن ومع استمرار التوحش الصهيوني ضدها وتدمير قرى وقصف مدن النبطية وصيدا وبعلبك والضاحية الجنوبية في بيروت خاصة ومناطق اخرى فيها ايضا، نلاحظ وبوضوح إرهابا رقميًّا يدفع نحو إشعال حرب اهلية ويشتد مرة اخرى مع سياسة بعض الفضائيات، التي تستضيف صحفيين ومحللين سياسيين لبنانيين، أو من جنسيات عربية اخرى ليتحدثوا عن حرب أهلية محتملة.
يحاول الإرهاب الرقمي من خلال منصات التواصل الاجتماعي، وللمثال وليس الحصر، استغلال خطأ واحدا ارتكبه أحد النازحين في منطقة الحمراء في بيروت من بين أكثر من مليون وربع المليون نازح، من خلال تحويله إلى وسم (هاشتاغ) على منصة (أكس)، ويتحول إلى الأكثر تداولا (ترند) لبنانيا، ليأتي دور بعض الفضائيات لمناقشة هذا الخطأ والإشارة إلى (حرب أهلية قادمة)! وطبعا يدعم الكيان الصهيوني ما يجري ويقوم بقصف بناية في بلدة جبلية لجأت إليها أسر نازحة ورحب بهم اللبنانيون المسيحيون بذريعة وجود عناصر من حزب الله لزرع الخوف بين سكانها و(حث) البلدات الأخرى إلى
عدم تقبل النازحين.
وهناك قنوات على اليوتيوب أكثر سمية من التغريدات والمنشورات، ويظهر بين هذا الإرهاب الرقمي ناشطون وناشطات لمواجهته وتكذيب المدونين وأن اللبنانيين، لن يسمحوا لأي طرف بجرهم إلى حرب أهلية مع انتهاء الحرب الشرسة، التي يشنها النازيون الجدد ضد لبنان وضدهم.
هنا سأشير إلى مثال يشرح الوضع اللبناني، سابقا وحاليا، وقد يشرح الأيدي التي تحرك الإرهاب الرقمي الموجه ضد لبنان، ذكره الكاتب صقر ابو فخر (العربي المقيم في بيروت) ضمن بحث طويل عن الصحافة اللبنانية إذ ذكر "ومن أن وفدًا من نقابة الصحافة اللبنانية برئاسة النقيب رياض طه جاء إلى القصر الجمهوري في سنة 1964 لتهنئة الرئيس شارل الحلو بانتخابه رئيسًا للجمهورية، فاستقبلهم الرئيس حلو بعبارة: (أهلاً وسهلاً بكم في وطنكم الثاني لبنان)". اذن، هذه لبنان الذين يعامله بعض صحفييه ومؤثريه وقيادات أحزابه وناشطيه، بأنه بلدهم الثاني!! ولا نملك إلا أن ندعو الله للبنان السلامة والابتعاد عن أي سبب يمنح فرصة لإشعال حرب أهلية.