قانون حقوق ذوي الإعاقة والحاجة إلى التفعيل

آراء 2024/11/11
...

 سلام مكي

 

أولى المشرّع العراقي، اهتماماً خاصاً بشريحة ذوي الإعاقة، منذ الأيام الأولى لعمليَّة البناء التشريعي الجديد، إذ تم تضمين الدستور فقرة تشير الى قيام الدولة بكفالة هذه الشريحة ورعايتها. وقد أفرد الدستور العراقي الدائم مادة مستقلة وهي المادة 32 التي نصت: «ترعى الدولة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة وتكفل تأهيلهم بغية دمجهم في المجتمع وينظم ذلك بقانون».


ولو جئنا الى النصّ الدستوري، لوجدنا أنَّه ينصُّ على أنَّ الدولة تتولى رعاية ذوي الاحتياجات الخاصَّة. ومفهوم الدولة كما هو معروف أوسع وأشمل من الحكومة، وهذا يعني أنَّ الدستور، ألزم الدولة بمؤسساتها وكيانها وحتى الشعب نفسه، برعاية هذه الشريحة، ولم يقتصر الأمر على الحكومة فقط! ومفهوم الرعاية، مصطلحٌ فضفاضٌ، وواسع، يشير الى مختلف أنواع الدعم المادي والمعنوي. 

واستناداً لهذه المادة الدستوريَّة، قام مجلس النواب بتشريع قانون رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصَّة رقم 38 لسنة 2013، في هذا القانون، نجد أنَّ المشرّعَ العراقي منح ذوي الإعاقة امتيازاتٍ عدة منها تخصيص نسبة من الدرجات الوظيفيَّة لذوي الإعاقة لا تقل عن 5 % ، كذلك إلزام أصحاب المعامل بتعيين شخصٍ من ذوي الإعاقة في حال كان عدد العمال لا يقل عن 30 %، فضلاً عن منحهم القروض الميسرة والإعفاءات من الضرائب والرسوم وغيرها من الامتيازات التي نصَّت عليها المادة 16 من القانون. لكنْ نلاحظ أنَّ القانون، وبهدف ضمان تطبيق أحكام المادة 17، فرض عقوبات على أصحاب المصانع من مخالفي نصّ الفقرة ثانياً. لكنَّ المشرّع سكت عن الوزارة أو الجهة التي تخالف تطبيق الفقرة (أ) من المادة ذاتها، فلو سلمنا بأنَّ صاحب المصنع الذي لا يقوم بتعيين شخصٍ واحدٍ من ذوي الإعاقة إذا كان عدد العمال لديه لا يقل عن 30 ولا يزيد على 60 عاملاً، تكون عقوبته غرامة مقدارها 500 ألف دينار، كذلك يجب معاقبة الجهة التي تمتنعُ عن تخصيص نسبة لا تقل عن 5 % من درجاتها الخاصَّة لذوي الإعاقة. وحتى بعد تعديل القانون بموجب القانون رقم 11 لسنة 2024 المنشور في جريدة الوقائع العراقيَّة بالعدد 4778 في 3/ حزيران / 2024، لم تتم معالجة هذه الإشكاليَّة والقصور التشريعي، إذ لم يتم فرض عقوبة على الموظف الذي يمتنعُ عن تطبيق أحكام هذا القانون. وبعد تعديل القانون، بموجب القانون رقم 11 لسنة 2024 المشار إليه في أعلاه، نجد أنَّ المشرّع العراقي سعى الى منح شريحة ذوي الإعاقة المزيد من الحقوق والامتيازات، حتى أنَّ المادة الأولى منه، نصّت: تحل تسمية «قانون حقوق ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصَّة» محل التسمية القديمة وهي «قانون رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصَّة» وهذا يعني أنَّ المشرّع، منح هذه الشريحة حقوقاً أوسع وأشمل، وأعطى لهم حقوقاً جديدة، عبر قيامه بتفصيل حقوقهم ومزاياهم بالنسبة 

لكل وزارة وجهة حكوميَّة. 

فنلاحظ مثلاً أنَّ المادة 15 قبل التعديل، كانت تنصُّ على مجموعة من الالتزامات المفروضة على الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة، ومجلس القضاء الأعلى، تجاه هذه الشريحة. أما بعد التعديل، فقد تمَّ شمول أغلب الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والهيئات المستقلة، التي لم يرد ذكرها من قبل بالالتزامات تجاه ذوي الإعاقة. فنلاحظ مثلاً، أنَّ التعديل ألزم هيئة الاستثمار بعدم المصادقة على المخططات والتصاميم الخاصَّة بالمنشآت التي تقدم خدماتٍ عامَّة، من دون مراعاة لأوضاع ذوي الاحتياجات الخاصَّة، ومنها مثلاً أنَّ تشمل تلك التصاميم أماكن خاصَّة لهم، للدخول والخروج. وكذلك منحهم قطعَ أراضٍ سكنيَّة وغيرها من الحقوق التي تساعدهم على الاندماج مع المجتمع وتوفر لهم حياة حرة وكريمة، تساعدهم في التكيف مع ظروفهم الصعبة. أغلب دوائر الدولة، أصبحت وفق القانون الجديد، مسؤولة عن رعاية ذوي الإعاقة وتلبية احتياجاتهم، كل جهة حسب اختصاصها وطبيعة عملها. لكنَّ المشكلة الأساس، تكمنُ في عدم وجود نصٍ في القانون، يفرض جزاءً على من يمتنع عن تطبيق نصوصه، في ما يتعلق بالوزارات والهيئات المستقلة.

يحتاج القانون الى ضرورة تفعيل كامل نصوصه وعدم الاقتصار الى نصوصٍ بعينها، ذلك أنَّ شريحة المعاقين، بحاجة الى رعاية تامَّة، والمشرّع العراقي نجحَ في إيجاد بيئة قانونيَّة سليمة تكفي لمساعدة هذه الشريحة، ودعمها بما يكفي لتحمل أعباء الحياة، والتخفيف من الظروف التي يعيشونها بسبب العوق.