ناجي الغزي
أثارت سياسات الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، قلقاً واسعاً على المستوى الدولي، وخاصة في أوروبا، حيث عبرت وزيرة المالية السويدية، إليزابيث سفانتيسون، عن خشيتها من التداعيات الاقتصادية المحتملة لهذه السياسات على السويد وباقي القارة الاوروبية. حيث جاء هذا القلق خلال مؤتمر صحفي، حيث أوضحت أن سياسات ترامب الاقتصادية، التي تجمع بين فرض رسوم جمركية مرتفعة وتوسيع الميزانية الفيدرالية، قد تسهم في تضخيم معدلات التضخم العالمي، مما يعرض الاقتصادات الأوروبية إلى تحديات كبيرة.
*سياسات ترامب الاقتصادية
ومخاوف التضخم
تتركز سياسات ترامب الاقتصادية على توسيع الإنفاق الحكومي وزيادة العجز في الميزانية بهدف تعزيز النمو الاقتصادي على المدى القصير. ويرى ترامب أن تخفيض الضرائب وزيادة الإنفاق سيؤديان إلى ازدهار اقتصادي سريع، كما أنه يخطط لفرض رسوم جمركية مرتفعة تصل إلى 60% على المنتجات الصينية، و20% على واردات أخرى، في محاولة لتعزيز الإنتاج المحلي وزيادة التوظيف داخل الولايات المتحدة.
ومع أن هذه السياسات التوسعية قد تؤدي إلى ازدهار الاقتصاد الأمريكي مؤقتاً، فإن وزيرة المالية السويدية ترى أنها ستؤدي أيضاً إلى ضغوط تضخمية على الاقتصاد العالمي. فالرسوم الجمركية المرتفعة تعني تكلفة أكبر للواردات، مما يزيد من أسعار السلع، ويرفع التضخم. وعلى المدى الطويل، قد يُجبر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنوك المركزية الأوروبية على رفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم المتزايد، مما يزيد من تكلفة القروض ويبطئ النمو الاقتصادي في أوروبا.
*أثر السياسات الحمائية
في الاقتصاد الأوروبي
تشكل الرسوم الجمركية المرتفعة أيضاً تحدياً مباشراً للاقتصادات الأوروبية المعتمدة بشكل كبير على التصدير. فالدول الأوروبية، ومنها السويد، تعتمد في جزء كبير من نموها الاقتصادي على صادراتها للأسواق العالمية، بما في ذلك السوق الأمريكية. لذا فان سياسة ترامب ستهدد بتقليل الطلب على السلع الأوروبية في السوق الأمريكية، مما يؤثر سلباً في الإنتاج والتوظيف في أوروبا.
وترى وزيرة المالية السويدية أن هذه السياسات لا تجعل الاقتصاد العالمي أكثر ثراءً، بل على العكس، تجعل الجميع أفقر، بما في ذلك الأمريكيون. إذا فرضت الولايات المتحدة هذه الرسوم المرتفعة، فإنها ستدفع الحكومات الأوروبية إلى اتخاذ تدابير مضادة، مما يزيد من تفاقم التوترات التجارية العالمية، ويؤدي إلى إبطاء النمو العالمي.
*التحديات السياسية وأثرها الاقتصادي
إلى جانب التحديات الاقتصادية المباشرة، هناك بُعد سياسي لا يمكن تجاهله، حيث تشعر الدول الأوروبية بقلق متزايد من احتمال تراجع دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا. هذا الدعم يُعتبر أساسياً في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها أوروبا بسبب النزاع المستمر في المنطقة.
هذا التغيير في العلاقات الدولية بين الولايات المتحدة وأوروبا يزيد من الضغط المالي على الدول الأوروبية، ويجبرها على تحويل جزء من مواردها لدعم أوكرانيا، مما يحد من قدرتها على الاستثمار في برامج التحفيز الاقتصادي أو دعم القطاعات المتضررة.
*استراتيجية أوروبا لمواجهة التحديات
أمام هذه التحديات، ترى وزيرة المالية السويدية أن الدول الأوروبية بحاجة إلى تعزيز نقاط القوة الداخلية لديها، ومعالجة أوجه القصور في الإنتاجية والتنافسية. وتدعو إلى تركيز الجهود على تعزيز الاقتصاد المحلي ورفع كفاءة الإنتاجية، ليصبح الاقتصاد الأوروبي أكثر قدرة على المنافسة، وأقل اعتماداً على الأسواق الخارجية، وخاصة في ظل التغيرات السياسية والاقتصادية المحتملة.
وأخيرا؛ تُظهر سياسات ترامب الاقتصادية المخاطر المحتملة التي قد تفرضها على الاقتصاد العالمي، وخصوصاً على الاقتصاد الأوروبي، الذي يعتمد بشكل كبير على التجارة الدولية والاستقرار الاقتصادي العالمي. ورغم أن هذه السياسات قد تعزز النمو في الولايات المتحدة على المدى القصير، إلا أن آثارها التضخمية واحتمال تصاعد التوترات التجارية قد يُلقي بظلاله
على العالم أجمع.
كاتب سياسي