أرواح السيراميك تلعن الخزافين وأوانيهم

ثقافة 2024/11/14
...

   إلزا بيتا

  ترجمة: مظفر لامي

كثيرًا ما نوصف نحن صانعو الفخار بأننا من الذين يؤمنون بالخرافات، وفرصة القبول بهذا التوصيف ليست عائدة لجهلنا بما يحدث في الفرن بالضبط، فنحن نعرف ذلك تمامًا، والكيمياء تفسر كل شيء. لكن ذلك يحدث، فبالرغم من أنني أردد على طلابي أن لا شيء مما يحصل في الفرن يمكن أن نصفه بالسحري، تمكنت في الوقت نفسه من إقناع كيت شريكتي في المشغل ببرمجة فرننا الجديد على درجة حرق غاية في البطء في أول تجربة استخدام، وببساطة، فعلت ذلك بسبب خوفي من تكرار النتيجة الكارثية التي حدثت عند تدشين فرننا الأول.

لابد لنا من الاعتراف أننا رغم كل ما توصلنا إليه من فهم ومعرفة، مازلنا عاجزين عن مشاهدة تحول المواد إلى زجاج في الفرن. وهناك جزء صغير نجهله في هذه العملية؛ فالحرارة تتراكم بشكل متغير في الفرن، وحتى لو كانت جميع هذه المتغيرات ثابتة، لاشيء يمنع من حدوث المفاجآت. ونحن كبشر، معتادون على اللجوء للفولكلور والدين حين يصعب علينا فهم شيء ما.

في مرحلة مبكرة من عملي في صناعة الفخار، كنت أسمع كثيرًا عن آلهة الفرن، ولكي أكون صادقة، كان لدي رأي متشدد بهذا الشأن؛ فأنا في العادة لا أشجع طلابي على هز أكتافهم والقول أنهم لا يفهمون ما يحدث، لأني أرى أن الجمال يكمن في فهم هذه العمليات التي تبدو لنا كأنها سحر. في نهاية الأسبوع الماضي شاركت في ورشة عمل حول فخر أعمال الصلصال في حفرة، وعندما أنهينا العمل وأغلقنا فوهة الحفرة وأشعلنا النار، وقفنا جميعًا في دائرة، وقمنا بسرعة بتشكيل تمثال صغير من الصلصال لوضعه على مكان الفخر، طالبين من آلهة الفرن أن يُسمح لأعمالنا أن تمر بسلام. بدا هذا الأمر، إلى حد ما، ملائما جدًا لعمل بهذه البساطة، لا يتضمن سوى إشعال نار بقطع صلصال في حقل ثم تأمل نتائج أفضل. بالنسبة لي، لدي موقف واحد إزاء كل ما يتعلق بالسيراميك يتلخص في تعطش للفهم يصل إلى حد الهوس. لذا بحثت مطولا حتى اكتشفت من أين أتى هذا التقليد بالضبط، وما الغاية منه. واتضح لي أن الأمر معقد، وهناك آلهة للنار وللفرن في العديد من الثقافات، وفكرة استعطاف الآلهة من أجل الحصول على فخار جيد هي قديمة قدم هذه الصنعة نفسها.

من بين القصائد القصيرة التي تنسب إلى هوميروس والتي يرجح أنها كتبت في القرن الخامس قبل الميلاد، نجد القصيدة الشهيرة المخصصة للأفران، والتي يرد فيها ذكر للشياطين الخمسة؛ أرواح السيراميك التي تلعن الخزافين وأوانيهم. والقصة وراء هذه القصيدة أن هوميروس غنّى هذه الأبيات لصانعي الفخار في جزيرة ساموس. (إذا دفعتم لي ثمن أغنيتي أيها الخزافون، ستأتي أثينا وتضع يدها فوق الفرن، ويتحول لون الكؤوس والأواني للّون الأسود الجيد، ستُفخر بصورة تامة وتحصلون على السعر المطلوب، ويباع الكثير منها في الأسواق والطرقات، اجلبوا أموالًا كثيرة لقاء غنائي الذي سيرضيكم. لكن إذا أبديتم الوقاحة والخداع، سأستدعي مخربي الأفران، سينتريب المكسر وسماراغوس المحطم وأسبستوس الذي لا تنطفئ نيرانه وساباكتس الذي يهز الفرن ويحطم فخاره وأوموداموس مسبب الكثير من المتاعب...) وتستمر القصيدة هكذا بالتهديد والوعيد بتدمير الأفران وكل ما يوضع فيها من فخار. 

في اليابان يطلق على آلهة الفرن اسم "كاما نو كامي" ومن التقاليد المتبعة هناك تقديم الملح والساكي للإله قبل بدء عملية إشعال الفرن. لكن المرجح أن الأصول الحقيقية لآلهة الفرن تعود إلى الصين، فنحن حين نبحث في موقع "معرض آلهة الفرن" في الإنترنيت، سنجد وفرة من الأعمال المخصصة للتقليد المتبع في الولايات المتحدة الذي يوضع فيه تماثيل صغيرة فوق الأفران، لكننا نجهل كيف بدأ هذا التقليد. وبلا شك هناك ندرة في الكتب والمقالات التي تتناول هذا الموضوع، لكن كتاب الدكتورة مارتي جايجر "عبادة آلهة الأفران من معابد الصين إلى مشاغل الخزافين الغربيين" هو الأكثر تعمقًا بينها. وهي تذكر في كتابها أن التقاليد الغربية التي يوضع فيها تماثيل صغيرة فوق أو عند مدخل الأفران إنما تعود للفلكلور الصيني المتعلق بآلهة الأفران، رغم خلو التقاليد الصينية من وضع هذه التماثيل. 

في البر الرئيس للصين وهونغ كونغ تتضمن عبادة آلهة الفرن أداء طقوس في المعبد المخصص لذلك الإله، حيث يقوم الزوار عادة بحرق البخور وترك الهدايا أو الأموال في صندوق تبرعات صيانة المعبد. وهناك أكثر من إله للأفران في الصين، لكن الحكاية عن تونغ بون، الذي سمي لاحقًا كإله بفينج هوي هسين أو الروح الحارسة لنار الفرن، هي الأكثر شهرة بينها. وخلاصتها أنه في عام 1700 في جينغدتشن، ألقى تونغ بنفسه في الفرن كي يتأكد من حصول كل قطع الخزف على فخر كامل، وعند ذاك يتمكن زملاؤه الخزافين من تفادي غضب الإمبراطور الانتقامي. وفي رواية أخرى لهذه الحكاية، تكون هذه التضحية سببًا في اكتشاف طلاء النحاس الأحمر. وهناك قصة أخرى مثيرة للاهتمام بطلها نينج فينج تشي، إله صناعة الفخار الذي اكتشف قابلية الطين للتصلب عند تعرضه للنار، الأمر الذي أدى به إلى اختراع هذه الصنعة، وفي وقت لاحق، أثناء عمله كخزاف للإمبراطور، سقط في الفرن بينما كان يوشك على إلقاء مزيد من الخشب في النار، ومنذ تلك اللحظة أصبح خالداً. في الزمن الماضي، كان هناك آلهة أخرى في مدن ومراكز إنتاج مهمة للفخار، وكان يخصص لها معابد للعبادة وتقديم القرابين، و البعض منها يمكن زيارته في الوقت الحاضر إذ ما يزال ماثلا حتى يومنا هذا.