حيدر زوير
بلغت حالة القنوط الشعبي العراقي من العملية السياسية مرحلة أطلق عليها " ما بعد الخيبة" وهي مرحلة غاية في الخطورة، أبرز سماتها حالة اللامبالاة واليأس المطلق من إصلاح هذا النظام وتصديق وعوده، ويمكن تلمس هذا بعزوف غالبية العراقيين ليس عن المشاركة في الانتخابات، بل حتى الاهتمام بالأحداث السياسية؛ وكل ما يسيطر على خطاب العراقيين تجاه العملية السياسية، هو تداول قصص الفساد والفشل والشتم والتشكيك بكل الأعمال وبالعاملين السياسيين.
من جانبٍ آخر تعمل كل القوى السياسية، كلا في فضائه القومي والطائفي لمحاولة الحصول على جزءٍ من كتلة العراقيين، الذين يتموضعون في حال "ما بعد الخيبة" لإضافتها إلى الكتل الصغيرة للجمهور الزبائني غالبا والأيديولوجي قليلا، من أجل التنافس في ما بينهم.
وفي هذا السياق أثبتت الانتخابات المحلية الأخيرة "تشرين الاول 2023" بعد انتخابات " أيار 2018. وتشرين 2021" أن أيا من هذه القوى لم تستطع تحقيق نتائج تذكر في هز هذه الكتلة الخرسانية الغاضبة والناقمة، خاصة مع استمرار السلوك المشين في ملفات الفساد المالي والإداري والصراع على المصالح الحزبية والشخصية.
تشي هذه الحالة بخطر يتهدد ليس العملية السياسية فحسب، بل خطر يحيط بالعراق كله، لكن علينا أن نحدد مساحة المفهوم هنا، فليس هنا العراق السياسي، يعني مجموعة القوى والأحزاب السياسية التي باتت تمثل حالة أوليغارشية رثة، تهيمن على الفعل السياسي والدولتي لمصالحها الخاصة، وتكتفي بعملية شكلية للتمثيل السياسي والديمقراطية الصورية، بل الأمر يهدد مجمل الدولة العراقية، بوصفها كيانا ضمن عالم معقد ومتصارع، وهو ما يستوجب أن يطاح بفلسفة الاوليغارشية لصالح الفلسفة المصلحية الوطنية، ويتم تحرير مؤسسات وثروات وقدرات الدولة من الاستغلال السياسي، كي ننتقل من عملية سياسية إلى نظام سياسي.
إن الحل الوحيد هو بعمل سياسي يشكل آخر ندٍ وخصمٍ للقائم المُسيطر، أو بمعنى أدق الطريق لإعادة التمثيل السياسي وهز الكتلة الخرسانية، وهو تجربة سياسية تكون بشكل واضح وصادق في مواجهة سياسية للأوليغارشية المُسيطرة، وفك قبضة الوحش، التي تخنق الدولة بناءً وثروة ووظيفة. وعلى هذا فلن يستطيع قائد أو حزب سياسي أن يكسب ثقة العراقيين الخائبين، إلا عبر تمثيل خيبتهم وغضبهم على من دمر بلادهم وسرق أموالهم وظلمهم في مناحي الحياة المختلفة، فعلى الرغم من أن ريعية الدولة العراقية، واحتلال البناء والوظيفة خلقا زبائنية بإمكانها الاستمرار في عملية سياسية قائمة على أقلية عراقية، لكن هذه الكتلة الكبيرة بإمكانها أن تقلب المعادلة عبر معارضة لا تنتمي للعبة القائمة.
وفي هذا السياق، أعتقد أن رئيس مجلس الوزراء محمد السوداني الذي يخوض مواجهة مريرة مع رأس هذه الأوليغارشية، ويتعرض لعمليات خنق من أجل القتل السياسي، بإمكانه أن يؤدي مثل هذا الدور، خاصة أن يتحرك في مساحة تتيح له القيام بهذا الوظيفة، وتعطيه أفضلية وخطوات متقدمة على أي جماعة سياسية خارج معادلات الفاعلية الحكومية والنيابية والاجتماعية، فضلا عن أن ما تبقى من حكومته ليس الكثير ونحن نمضي سريعا باتجاه موعد الانتخابات النيابية، إضافة إلى التغيرات الإقليمية والدولية التي مؤكدا هي في صالحه على حساب خصومه.