سعد العبيدي
شهدت الانتخابات الأميركية الأخيرة تحولاً ملفتاً في توجهات التصويت لدى الناخبين العرب والمسلمين الأمريكيين، حيث ابتعدت شريحة كبيرة منهم عن الحزب الديمقراطي، الذي اعتادوا تأييده على مدى عقود، واتجهوا نحو الحزب الجمهوري ومرشحه في خطوة غير مسبوقة، أسهمت في دعم كفة السيد دونالد ترامب أمام كامالا هاريس، مما ساهم في هزيمتها بنتائج اعتبرت "شديدة الوقع" ... تحول يشير بعض الأمريكيين العرب إلى أنه جاء كرد فعل لمعاقبة الحزب الديمقراطي والرئيس جو بايدن على موقفه من الحرب في غزة ولبنان، وتعامل إدارته الذي اتسم بعدم الجدية الكافية لوقف العنف، إضافة إلى التحيز الملحوظ لإسرائيل على حساب الفلسطينيين واللبنانيين.
لكن من المثير للجدل أن هذا التحوّل يعكس تناقضاً واضحاً؛ إذ إن الرئيس ترامب نفسه، خلال فترته الرئاسية السابقة، اتخذ عدة خطوات مؤيدة لإسرائيل، بدءًا من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وصولاً إلى دعم العديد من سياساتها في المنطقة. وهو ما يعني أن رهان الناخبين العرب والمسلمين على الحزب الجمهوري قد يكون قراراً عاطفياً أو مؤقتاً يعكس حالة إحباط من السياسات الحالية، وليس تحولاً استراتيجياً على المدى الطويل. وهنا تجدر الإشارة إلى حقيقة يغفل عنها الكثير من أولئك الناخبين هي أن السياسة الأمريكية تُدار عبر مؤسسات ثابتة، ومراكز رسم استراتيجيات بعيدة المدى، بحيث يبقى دور الرئيس محدوداً في هامش التحرك ضمن هذه الأطر. وبالتالي، فإن الفوارق بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط غالباً ما تكون سطحية إذ تتعامل معها الولايات المتحدة بمبدأ ثابت تقريباً، يتمحور حول ضمان مصالحها بما في ذلك دعم إسرائيل.
في ضوء ذلك، يتضح أن التغيير الأخير في توجهات التصويت لدى الأمريكيين العرب والمسلمين ربما يعبر عن حالة مؤقتة من الاستياء أو رد فعلٍ على سياسات معينة، تقتضي التعامل معها بحذر: فالتوجهات الانتخابية الناجمة عن استياء مؤقت قد لا تعكس تحولاً فعلياً في القناعات، وقد تعبر عن قصور في رؤيا التعامل مع مصالحها جالية تفتش لها عن مجال في التأثير على سياسة دولتها الأقوى في العالم.