الفضاء.. مجالٌ تشغيليٌّ كاملٌ للحلف الأطلسي
علوم وتكنلوجيا
2019/06/28
+A
-A
بروكسل/ أ ف ب
يطلق حلف شمال الاطلسي ستراتيجيته الاولى للفضاء هذا الأسبوع مع تزايد المخاوف المحتملة ازاء عسكرة هذا المجال والتصدي للصين وروسيا خصوصا.
كما تدفع كذلك المخاوف حيال الحطام الذي يدور حول الأرض بوزراء دفاع الحلف الى البحث في إطار جديد في هذا الشأن. وأوضح دبلوماسيون أن هدف الحلف الاطلسي من ذلك هو تحويل الفضاء الى مجال تشغيلي كامل إلى جانب البر والبحر والجو والامن الإلكتروني، ربما بحلول قمة التحالف في لندن في كانون الاول. من جهته، قال الامين العام للحلف ينس ستولتنبرغ للصحافيين إن "الفضاء جزء من حياتنا اليومية وفي حين يمكن استخدامه في أغراض سلمية فانه يمكن استخدامه أيضا في العدوان".
واضاف "يمكن التشويش على الأقمار الصناعية أو اختراقها أو تسليحها. الوسائل المضادة للأقمار الصناعية قد تشل الاتصالات. لذا، من المهم التحلي باليقظة والمرونة".
حاول الحلف دون جدوى صياغة سياسة معينة في هذا الاطار في السابق، كان آخرها عامي 2011 و2012. لكن المسؤولين يشيرون إلى قوة الدافع الجديد الآن حيث يصبح الفضاء "أكثر فأكثر ازدحاماً ومجالاً للتنازع والمنافسة".
وهناك ما لا يقل عن ألفين من الأقمار الصناعية النشطة تدور حاليا حول الأرض، إلى جانب نصف مليون قطعة من الحطام، بامكان 30 إلى 40 الفا منها إتلاف قمر صناعي.
وقال مسؤول في الحلف إنه ليس هناك حتى الآن انتشار معروف لأسلحة في المدار لكن المخاوف تتزايد حيال "سلوك أكثر عدوانية" من الصين وروسيا.
على غرار الولايات المتحدة، تستطيع روسيا والصين تدمير الأقمار الصناعية المعادية لها باستخدام صواريخ تنطلق من الأرض، وربما أيضا عن طريق الصدامات الهندسية المتعمدة. ويمكن للبلدان الثلاثة تطوير أشعة الليزر لتعمية الأقمار الصناعية أو إتلافها.
التشويش الفضائي
كما أصبحت عمليات القرصنة والتشويش والمضايقة واقمار التجسس تكتيكات مهمة بشكل متزايد في الفضاء.
في تشرين الاول 2017 ، اقترب قمر صناعي روسي من قمر صناعي فرنسي إيطالي في خطوة نددت بها باريس معتبرة اياها عملية تجسس. كما أظهرت الولايات المتحدة والصين قدرات مماثلة.
ستمنح السياسة الجديدة للحلف اطارا لبحث هذه المسائل وكيفية الرد عليها والحفاظ على التقدم الحالي للاطلسي في الفضاء.
يضم حلف الاطلسي نحو نصف دزينة من الدول الأعضاء "التي ترتاد الفضاء" بقيادة الولايات المتحدة، وفي البداية ستسعى السياسة الجديدة إلى استخدام موارد هذه الدول بدلا من تطوير قدرات جديدة للتحالف.
وقال مسؤول في الحلف ان "الاطلسي لن يشتري أو يشغل أقماره الصناعية الخاصة. يقضي المبدأ باعتماد الحلف على الخدمات الفضائية التي يقدمها الحلفاء".
لكن على المدى الطويل، يمكن أن يكون هناك دور لبعض عناصر النظام الفضائي الذي يديره حلف شمال الأطلسي على سبيل المثال استبدال منظومته للمراقبة "اواكس" عندما يتم التخلص التدريجي منها بعد العام 2030.
واذا أصبح الفضاء مجالا تشغيليا، سيسمح ذلك للمخططين في الحلف بتحديد أهداف للحلفاء بغية توفير قدرات اكبر مثل ساعات طويلة من الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، أو قدر معين من المعطيات لصور تستخدمها اجهزة الاستخبارات.
الا ان السؤال المهم بالنسبة للحلف هو ما إذا كان يمكن تطبيق معاهدة الدفاع المشترك، وفي أي ظروف، ـ المادة الخامسة من المعاهدة التأسيسية- والتي بموجبها يعتبر الهجوم على دولة عضو هجوماً يستهدف جميعها.
تابع ستولتنبرغ إنه من السابق لأوانه التكهن بكيفية تطبيق المادة الخامسة في الفضاء، لكن القضية ستكون حاسمة في النقاش المقبل بين الحلفاء.
فكرة ترامب
يقوم الجيش الأميركي بعملية تغيير ضخمة لإنشاء قوة الفضاء التي يطالب بها الرئيس دونالد ترامب.
ستكون القوة الجديدة التي لم تحصل بعد على موافقة الكونغرس على قدم المساواة مع الجيش والبحرية والقوات الجوية وسلاح مشاة البحرية وتضم نحو 20 ألف عنصر.
في حين لا تشكل سياسة الاطلسي استجابة لخطط ترامب، لكنها قد تكون رسالة إيجابية من ستولتنبرغ للزعيم الأميركي خلال قمة لندن التي قد تكون محرجة.
طغى ترامب على قمة الأطلسي في بروكسل العام الماضي باعلانه مرارا أن الحلفاء الأوروبيين لا ينفقون ما يكفي على الدفاع، ومع تحسينات متواضعة فقط في هذا المجال، فإن شبح التكرار يخيم على القمة.
وقال المسؤول في حلف الاطلسي "لن يكون هناك الكثير من العناوين الرئيسة المهمة كي يتقدم الامين العام امام وسائل الاعلام عندما ياتي كانون الاول".
وتابع أن "الفضاء هو المكان الذي يمكن للامين العام أن يقول (أيها الرئيس ترامب، لقد أعلنت عن انشاء قوة فضائية، نحن في الحلف ندرك الأهمية المتزايدة لهذا المجال. لذا، قررنا المضي قدما في المجال العملاني مع كل الأعمال اللاحقة التي ستلي ذلك)".
حماسة نحو القمر
وبعيداً عن الحروب الفضائية، يثير القمر حماسة جديدة في الأوساط العلمية الفضائية بعد خمسين عاما على سير الانسان على سطحه، إذ أعلنت الولايات المتحدة نيتها إرسال رحلات مأهولة مجددا إليه في 2024 في حين تكثر المشاريع العامة والخاصة لمهمات غير مأهولة.
ويقول ديفيد باركر مدير الاستكشاف في وكالة الفضاء الأوروبية "القمر هي الوجهة الفضائية الوحيدة التي يمكن أن نراها بالعين المجردة من دون أن تكون مجرد نقطة مضيئة". ويحلو لها ان تسميها "القارة الثامنة للأرض". لكن الإنسان لم يطأ سطح القمر منذ العام 1972.
ويوضح جان إيف لوغال مدير وكالة الفضاء الفرنسية أن الاهتمام المتجدد بالقمر عائد "بجزء منه إلى التقدم التكنولوجي الذي يسمح بمهمات آلية أقل كلفة بكثير من الماضي ما يدفع الكثير من الأطراف إلى التفكير بالتوجه إلى القمر".
ويشير إلى بلدان "تطمح إلى إرسال مهمات مأهولة ولا سيما الصين والولايات المتحدة".
ويؤكد كزافيه باسكو مدير مؤسسة البحث الاستراتيجي في باريس أن الأميركيين ولا سيما الجمهوريون منهم حريصون على أن "يبقوا الأوائل".
في تشرين الأول 2003، دفع إرسال الصين أول رائد لها إلى الفضاء، الإدارة الأميركية إلى إدراك بروز منافس جديد لها في الرحلات المأهولة. ورد الرئيس الأميركي حينها جورج دبليو بوش في كانون الثاني 2004 بتعهده العودة إلى القمر بحلول العام 2020.
وأمام الكلفة الكبيرة والتأخر في برنامج "كونستيلايشن" وضع خلفه باراك أوباما حدا له في 2010 مفضلا تركيز جهود وكالة الفضاء الأميركية
(ناسا) على التحضير لأول رحلة مأهولة إلى المريخ بحلول 2030.
خطوة خطوة
بعد انتخاب دونالد ترامب في تشرين الثاني 2016، ضغطت الأوساط الفضائية الأميركية لاعتماد مشروع الرحلات المأهولة إلى القمر مجددا.
ويرى كزافييه باسكو "بالنسبة لدونالد ترامب القطاع الفضائي هو في الأساس استعراض للقوة الأميركية. ويعرف أن بإمكانه استخدامه لتحفيز ناخبيه".
في العام 2017 وقّع الرئيس الأميركي مرسوما يطلب من الناسا تحضير عودة الإنسان إلى القمر. وقد حددت في مرحلة أولى العام 2028 موعدا لذلك. لكن في آذار الماضي سرّع البيت الأبيض هذا الجدول الزمني مطالبا أن يعود الرواد الأميركيون وبينهم أول امرأة إلى القمر اعتبارا من 2024.
أما الصين فهي تنفذ بعناية برنامجها الفضائي. ففي كانون الثاني/يناير نجحت في إرسال مسبار إلى الجانب الخفي من القمر.
ويقول جون لوغسدون الأستاذ الفخري في معهد "سبايس بوليسي" في جامعة جورج واشنطن "هذا بحد ذاته ليس بالأمر المهم. لكن الأمر مهم من الناحية الرمزية لأن ما من بلد نجح في ذلك من قبل وقد لفت انتباه العالم بأسره".
وتتقدم الصين خطوة خطوة من دون مشاكل تذكر. وهي تؤكد أنها تنوي إرسال رحلة مأهولة إلى القمر "في غضون عشر سنوات".
لكن لا يمكن الحديث عن "سباق" بين الولايات المتحدة والصين على صعيد الرحلات المأهولة كما كانت الحال بين واشنطن وموسكو في الستينات في خضم الحرب الباردة على ما أفاد خبراء وكالة فرانس برس.
وتوضح إيزابيل سوربي-فيرجيه مديرة البحث في المعهد الوطني للبحث العلمي في فرنسا "بكين لا تزال بعيدة من تحقيق برنامج شبيه بمهمات أبولو". ويحلل كزافييه باسكو الوضع قائلا إن الإدارة الأميركية "تبالغ في التركيز على المنافسة الصينية" لأسباب تتعلق بالسياسة الداخلية.
جدول زمني ضاغط
لا تحتل روسيا بسبب النقص في الموارد المالية، مقدم الساحة القمرية مع أنها تطور برنامجا لرحلات غير مأهولة.
أما أوروبا فتتعاون مع البرنامج القمري الروسي ومع الولايات المتحدة على صعيد مركبة أوريون التي ستنقل رواد الفضاء.
وحتى الآن وحدها الولايات المتحدة وروسيا والصين نجحت في إنزال مركبات على سطح القمر الذي يبعد 384 ألف كيلومتر.
وتأمل الهند أن تصبح رابع دولة في هذا المجال مع نيتها إرسال مهمة منتصف تموز بهدف إنزال روبوت مطلع أيلول على القمر.
إلا ان القمر ليس بالوجهة السهلة فقد فشلت مهمة إسرائيلية خاصة في الهبوط على سطحه في نسان الماضي.
يضاف إلى ذلك كلفة الرحلات المأهولة ما يجعل الكونغرس الأميركي يتردد في تمويل ارتفاع ميزانية الناسا وهو أمر لا مفر منه لتسريع الجدول الزمني.
وسيكون احترام استحقاق العام 2024 صعبا خصوصا وأن تطوير الصاروخ القوي "أس أل أس" الذي سينقل رواد الفضاء قد تأخر. وقد استعانت الناسا بمقاولي الفضاء ومن بينهم إلون ماسك وجيف بيزوس لخفض الكلفة لكن اللمسات الأخيرة لم توضع بعد على المناقصات.
ويلعب الرئيس ترامب بأعصاب الناسا بعدما غرد قبل فترة قصيرة كاتبا أن المريخ يهمه أكثر من القمر.
إلا أن الاحتفالات بالذكرى الخمسين لمهمة "أبولو 11"، "تشكل فرصة للحصول على دعم المواطنين الأميركيين في هذه المهمة الجديدة" على ما يظن جون لوغدسون.