بغداد : فجر محمد
مع ساعات الصباح الأولى، تنبض شوارع بغداد بالحركة والزحام، حيث يملأ ضجيج السيارات وأصوات المنبهات المكان. وسط هذا المشهد، يظهر طفل صغير، يحمل صندوق حلوى وقناني مياه، يتوسل المارة لشراء ما في يديه، أملاً في جمع بضعة آلاف من الدنانير، ليتمكن من مساعدة أسرته. هذا المشهد الذي أصبح مألوفًا في الشوارع، يكشف عن واقع مرير يدفع الطفل للبحث عن لقمة العيش، في ظل غياب القوانين التي تحمي حقوقه.
غياب القانون
في حديثها لـ"الصباح"، ترى الناشطة والمختصة بشؤون ومسرح الطفل الدكتورة فاتن الجراح، أن "الأطفال اليوم بحاجة ماسة إلى إقرار قانون يحميهم، ويوفر لهم الدعم والاسناد ويحافظ على طفولتهم، إذ لا يخفى على الجميع ما تعرض له الأطفال من انتهاك لأبسط حقوقهم، بدءاً بحرمانهم من التعليم، وصولاً إلى تجنيدهم من قبل عصابات الجريمة والإرهاب".
أرقام صادمة
الناشطة والحقوقية الدكتورة بشرى العبيدي، تؤكد لـ "الصباح" أن أربعة من بين خمسة أطفال يتعرضون للعنف، ما يعني أن أكثر من ثلاثة أرباع الأطفال يتعرضون للتعنيف بمستويات مختلفة، مشيرة إلى أن هناك صغاراً يسقطون ضحايا للعنف الأسري.
بدوره، يرى رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، الدكتور فاضل الغراوي أن "واقع حقوق الطفل في العراق ما زال يشهد العديد من التحديات، أهمها العمالة والتسرب والاتجار بالبشر والعنف الأسري والتغييرات المناخية".
الغراوي أكد أن العراق يحتل المرتبة الرابعة في عمالة الأطفال بعد اليمن والسودان ومصر، بنسبة 4.9% في الفئات العمرية الصغيرة، ويتركز عملهم في قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات بنسب عالية.
وأشار إلى أن الأمم المتحدة أُعلنت يوم الطفل العالمي في عام 1954 باعتباره مناسبة يُحتفل بها في 20 تشرين الأول من كل عام، من أجل تعزيز الترابط الدولي وإذكاء الوعي بين أطفال العالم وتحسين رفاههم.
بنود مهمة
بحسب البيانات والإحصائيات، فإن اتفاقية حقوق الطفل أحرزت تقدماً كبيراً، لكنها أيضاً لم تنفذ بشكل كامل أو ليست مفهومة على النطاق الواسع. وتستمر معاناة ملايين الأطفال من الانتهاكات لحقوقهم عندما يُحرمون من الحصول على قدر كافٍ من الرعاية الصحية والتغذية والتعليم والحماية من العنف.
وترى القانونية بسمة رياض أحمد، أن "وجود قانون يضم بنوداً وفقرات واضحة، من شأنه أن يوفر للطفل الحماية والرعاية، لكنه في الوقت ذاته لم يعد كافياً؛ لأن المطلوب هو تنفيذ تلك البنود وألا تكون مجرد حبر على ورق".
وتضيف أحمد لـ "الصباح" أن "هناك الكثير من المتغيرات التي عصفت بالمجتمع وتركت آثارها في الأطفال، فعلى سبيل المثال تبين التقارير والدراسات العالمية، أن هناك ضعفاً واضحاً في الخدمات الصحية والتغذية، وكل هذه الأمور ستنعكس بشكل مؤكد على الأطفال".
ونوهت بأن "وجود اهتمام بأنظمة حماية الطفل، بمثابة هدف ومبادرة ناجعة من شأنها أن تحمي الأطفال من العنف والإهمال والاستغلال، فضلاً عن سوء المعاملة".
وزارة العمل
مؤخراً، أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عن افتتاح 44 وحدة مركزية وفرعية لرعاية الطفولة، سيكون لها دور مهم ورئيس في ضمان الوصول إلى خدمات الحماية الأساسية وتعزيز رفاهية الأطفال في جميع أنحاء البلاد.
وفي هذا الصدد يقول وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي: أن "هذه الوحدات تسعى إلى تقديم الخدمات الأساسية، وتوفير بيئة آمنة للطفل وستكون بمثابة مرافق استراتيجية لتنسيق وتعزيز وتوفير الخدمات للأطفال".
هذا الأمر لاقى إشادة ممثلة اليونيسيف في العراق ساندرا لطوف، التي عدّت المبادرة "خطوة مهمة إلى الأمام ضمن الجهود التي يبذلها العراق في تعزيز أنظمة حماية الطفل".
وأشارت لطوف إلى أنه "بإنشاء هذه الوحدات، يتقدم العراق نحو توفير الحماية لكل طفل من العنف والإهمال والاستغلال وسوء المعاملة، بما يتماشى مع المعايير الدولية والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة برفاهية الطفل".
عنف متزايد
من أهم البنود التي أقرتها اتفاقية حقوق الطفل، وجميع المواثيق الدولية، توفير الأمان والقضاء على العنف الذي يمارس ضد الأطفال، بينما تشير التقارير والأبحاث إلى زيادة العنف ضد الطفل، وهذا الأمر يتعارض بشكل كلي مع البنود والاتفاقية التي أقرت والتي أكدت أيضاً أهمية الأسرة، بكونها الحاضنة الأولى للطفل، لذا لا بد أن تتمتع بالمقومات الصحيحة، وأن يؤدي الوالدان دورهما بشكل فاعل من أجل توفير الأمان والحماية لأبنائهما، كما تضع تلك الاتفاقية في اعتبارها أن الطفل، يحتاج إلى إجراءات وقاية ورعاية خاصة، بما في ذلك توفير الحماية القانونية المناسبة.
يبين القاضي ناصر عمران الموسوي لـ (الصباح)، أن "العنف الذي يمارس ضد الطفل داخل أسرته، سواء من الوالدين أو أي شخص متنفذ في الأسرة، له تأثيرات كبيرة ومشكلات اجتماعية وثقافية لاحقاً ستنعكس على سلوكيات الطفل المعنف مستقبلاً".
ويوضح الموسوي، أن "نص المادة 41 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، يمنح الزوج حق تأديب الزوجة والأبناء، وهذه العبارة جعلت فئات أخرى تمارس هذا الدور، وهذه هي مشكلة أخرى تحتاج إلى وقفة حقيقية".
مجلس النواب
ومع تزايد حالات العنف ضد الأطفال، وانتهاك حقوقهم، تواصل لجنة المرأة والأسرة والطفولة في مجلس النواب، لقاءاتها واجتماعاتها من أجل الخروج بصيغة تؤدي إلى تشريع قانون يحمي حقوق الأطفال في العراق.
وناقشت اللجنة مؤخراً عدداً من الفقرات الخلافية والثغرات الموجودة في نصوص وفقرات مشروع قانون حماية الطفل، بينما تم الاتفاق على تشكيل لجنة لتقديم المقترحات والتعديلات وإرسالها إلى الحكومة لإجراء التعديل على مشروع القانون.