بغداد : نور نجاح عبد الله
تصوير: أحمد جبارة
في العديد من الأسر، تتوارث المهن والوظائف عبر الأجيال، وتستمر من جيل إلى جيل. هذا التوارث قد تكون له جوانب إيجابية وأخرى سلبية، ويؤثر بشكل خاص في الأبناء إذا كان اختيارهم للتخصص مهنياً جاء تحت ضغط الأسرة، وفي حالات أخرى قد يشعرون بالضغط أو التقيد بمستقبل لم يكن من اختيارهم.
تحدث لـ "الصباح" المحامي ديار خير الدين النقشبندي، عن تجربته الشخصية، حيث كان يطمح في البداية لدراسة اللغة الإنكليزية، لكن والده كان له رأي آخر. رأى الوالد في ابنه القدرة على النجاح كمحام، فغير رأيه واختار المحاماة، وهو مجال كان الوالد معروفاً فيه. وهذا التأثير كان له دور كبير في تشكيل مسار المحامي ديار، وفقاً لقوله.
وأشار المحامي ديار أيضاً إلى تأثير الأسرة في هذا المجال، حيث كان جده، رئيساً لمحكمة، ما شكل تأثيراً غير مباشر في مسيرته المهنية.
توارث المهن لا يقتصر على الأعمال المدنية، أو القطاع الحكومي والعام، وإنما يشمل في أحيان كثيرة العاملين في القطاع الخاص، وكذلك السلك العسكري.
ويقول النقيب علي رمضان المالكي لـ"الصباح" : إن "اختياري الكلية العسكرية كان برغبة شديدة مني وتشجيع كبير من الأهل وخاصة الوالد الذي كان ضابطاً سابقاً في الجيش".
ويتابع أن "رغبتي في الانخراط بالسلك العسكري، جاءت نتيجة البيئة التي نشأت فيها، فعندما يكون رب الأسرة ضابطاً، فإن ذلك ينعكس على تنشئة أفراد الأسرة، ويسهم في بناء شخصية الإنسان. وهذا ما حصل قبل دخولي الحياة العسكرية".
وأضاف: "كما أن كون الوالد ضابطاً، أضاف لي المهارة وذلل أمامي الصعوبات والتحديات التي كانت تواجهني في الكلية العسكرية، سواء في الدراسة أو التدريب".
من جانبه، يقول الدكتور محمد رشاد الجواهري، طبيب جملة عصبية: إن مسألة الوراثة ليست بالضرورة أن تدخل في اختيار التخصص أو المهنة، وانما هو اجتهاد شخصي. موضحاً في حديثه لـ"الصباح" أن "تشجيع والدي لم يكن المؤثر الأساس، رغم أن رغبة الأسرة كانت أن أسير على خطاه.. اختياري دراسة الطب جاء نتيجة الدراسة والتفوق. ولا ننسى أن للمجتمع أيضاً دوراً كون الطبيب له مكانته إضافة لكونها مهنة إنسانية نبيلة".
ويؤكد الجواهري، وهو نجل طبيب راحل يحمل التخصص نفسه، "لا يوجد شيء اسمه وراثة مهن في الطب، فهذه المهنة على وجه الخصوص تحتاج إلى مواظبة ودراسة مكثفة تعتمد على المجهود الشخصي".
الإيجاب والسلب
الدكتورة دنيا عبد الحسن عبيس (علم النفس والاستشارات النفسية)، تقول عن توارث المهن بين الأجيال، أن له تأثيرات إيجابية وسلبية، فمن الجوانب الإيجابية أن المهن المتوارثة تستمر مع الزمن، ولكن الجانب السلبي يظهر عندما يختار الأبناء تخصصاتهم تحت ضغط الأهل، ما قد يؤدي إلى كرههم للمهنة وعدم إبداعهم فيها، ويؤدي في النهاية إلى الفشل".
وتطرقت الدكتورة دنيا في معرض حديثها لـ"الصباح" إلى الاختلاف الكبير بين الأجيال الحالية والسابقة، حيث أصبح الجيل الجديد أقل قدرة على تحمل متاعب بعض المهن التقليدية، خاصة في ظل التطورات التكنولوجية والتغيرات في سوق العمل. لذلك، أصبحت لدى الشباب ميول مختلفة نحو مهن أخرى.
خبرات وتجارب
أما الباحثة حنان الجنابي، فترى أن "الكثير من الأبناء يكتسبون الخبرة من آبائهم، ما قد يسهم في نجاحهم. إلا أن هذا الأمر لا يعد ضامناً للنجاح، حيث يمكن للفرد أن يكتسب خبرات من تجاربه الشخصية في الحياة".
وأضافت لـ"الصباح" قائلة: إن "مساعدة الآباء في توعية أبنائهم وتثقيفهم، ومتابعتهم، من العوامل الأساسية لتحقيق النجاح، لكن الأهم هو عدم إجبار الأبناء على مهن قد لا يرغبون بها".