نهاية الزمن {الإسرائيلي}

آراء 2024/11/25
...

 حمزة مصطفى 

 

للمرة الأولى منذ 75 عاما، وهو عمر الصراع العربي - الإسرائيلي يستيقظ الضمير العالمي ممثلا بالمحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرة قبض بحق مجرم الحرب الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه غالانت. صحيح أن الدافع الرئيس من وراء إصدار هذا القرار هو جرائم الإبادة الجماعية غير المسبوقة، التي ارتكبها الكيان الصهيوني ضد المدنيين في غزة ولبنان، لكن سبق للكيان أن استخدم على مدى أكثر من 70 عاما عشرات الجرائم المماثلة دون أن يتحرك الضمير العالمي، ممثلا بالهيئات والمؤسسات الدولية، وفي المقدمة منها الأمم المتحدة، ممثلة بمجلس الأمن الدولي أو الجمعية العمومية أو المنظمات والمؤسسات التابعة لها، مثل محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية أو المفوضية السامية لحقوق الانسان أو سواها من المنظمات الدولية. 

لكن بصدور مذكرة القبض بحق نتنياهو هذه المرة من الجنائية الدولية أمر له دلالاته البالغة الرمزية والعملية، بصرف النظر إن كان هذا القرار سوف ينفذ من قبل الدول الملتزمة بقرارات وإجراءات هذه المحكمة أم لا، علما أن هناك دولا أوروبية مهمة أعلنت استعدادها لاعتقال نتنياهو في حال قام بزيارة هذه الدول أو حتى لو هبطت طائرة تقله اضطرارا في أحد مطارات هذه الدول. السؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا هو.. أين تكمن أهمية هذا القرار؟ في الواقع هناك العديد من القضايا المهمة، التي كشفها هذا القرار في المقدمة منها يمكن القول وبشكل قاطع أنه يمثل مرحلة فاصلة بين ما قبل صدور القرار- المذكرة وما بعده. ففي الوقت الذي كان الكيان الصهيوني محميا بالولايات المتحدة الأميركية يقوم بكل ما يريد ضد العرب والمسلمين دون رادع، فإن صدور مثل هذه المذكرة شكل صدمة عنيفة له. صحيح أن نتنياهو يواجه الآن مشاكل داخل الكيان حتى قبل طوفان الاقصى، لكن أهمية هذه المذكرة أنها ليست موجهة ضده فقط أو ضد وزير دفاعه المقال، بل موجهة لكل أركان الكيان الصهيوني، وهو ما يعني أنها بقدر ما تستهدف رجلا أوغل في الجريمة حددت الجنائية الدولية اسمه، وبالتالي أعطت الأذن لاعتقاله فإنها جعلت كل مسؤولي الكيان الإسرائيلي يشعرون أنهم باتوا مطاردين، ويمكن أن تصدر بحق أي واحد منهم مذكرة اعتقال دولية، وهو ما يعني بداية مرحلة جديدة لجهة التعامل مع هذا الكيان من وجهة نظر العدالة الدولية من شأنها في مرحلة لاحقة، انتزاع اية شرعية يمكن أن يدعيها. 

وحيث إ الكيان الصهيوني بقي يشعر يسبب الحماية الأميركية والغربية له طوال ٧ عقود من الزمن، مارس خلالها كل أنواع القتل والاجرام فإنه بصدور هذه المرة، فقد حصل أول تصدع حقيقي في منظومة حمايته ممثلة في إعلان عدد من الدول الأوربية أولها هولندا، ومن بعدها اسبانيا وقد تطول القائمة امتثالها لقرار الجنائية الدولية. ومع أن الولايات المتحدة أعلنت رفضها للقرار وهو أمر متوقع، لكن حصول متغير في الموقف الأوروبي حيال إسرائيل، وهو ما يحصل للمرة الأولى سوف يسبب إحراجا كبيرا لأميركا من شأنها إضعاف قبضتها في الدفاع عن هذا الكيان، وهو ما يمكن أن يمثل بداية حقيقية لأول خلاف أميركي - أوروبي جدي بشأن الكيان الصهيوني، الذي بات يتحول إلى عبء دولي على من يصنفون بأنهم حلفاؤه وأصدقاؤه، وهو ما يعني بدء حقبة جديدة في طريقة التعاطي مع الكيان الصهيوني واجرامه بحق العرب والمسلمين، وهو ما يتوجب على العرب والمسلمين استثمار هذه اللحظة الفارقة والعمل عليها، من خلال توحيد المواقف لكي تتحول الأقوال إلى أفعال.